" حروب العالم لا تنتهي " ..
Avengers: Infinity War 2018 - المُنتقمون : الحرب اللانهائية
• إخراج: " الأخوين روسو : أنتوني وجو "
• التصنيف : أكشن - مغامرة - فانتازيا
• حالة المراجعة : قراءة نقدية + مراجعة بدون حرق
• الكاتب : ليث التميمي
• التقييم الشخصي : ★★★★
تتهافت اليوم أفلام «الأبطال الخارقين» إلى غزو صالات السينما ، المحلية والعالمية ، منتزعة بدورها المستهلكين من واقعهم الجاف إلى آخر رطب تتجسد فيه الأحلام والرغبات طواعية دون عثرات ولا ممانعات ، تُلبي نداءاتهم للوحدة المنظورة في عالم يعيث به المُجرمون فساداً في الأرض ، ومُلتقين بتلك الفئة المُخلَصة لأقدارهم وطموحاتهم في عالمٍ بديل ينتصر فيه الخير على الشر دون إشتغالات كثيرة تُجهد من تفكيرهم ، الذي يظل بمُستواه الأدنى من حيث الوعي المطلوب لديهم كمتفرجين ، نظراً للوهم الذي يستقبلون به مادتهم ويعون تماماً ما يصنعه من شطحات عريضة بين ماهو واقع وبين ما هو خيال ، فيجبرهم الأخير على تجنب الغرق فيه خارج ظلمة صالته وقت عرضه . لكن تبقى تلك الأفلام مطلب أساسي لما يتوق إليه المتفرج العام ويبتغيه ، أو لما يريد أو يحب أن يكونه ، فهي تجسيد لكل ما لا يستطيع أن ينجزه بنفسه أو يُغيَره بقدراته الأرضية ، فيراها من منظور بطله : الذات الأخرى منه أو صورته في المرآة ، الأكثر بطولية والأقدر على تفعيل دورها في المشهد العالمي أو البيئة المُحيطة به . لذلك تختلف آلية التلقي من مكان إلى مكان ومن بلدٍ إلى آخر ، لكن ما يجمعها في بؤرة إهتمام واحدة هو التقارب الذي تشتغل عليه تلك الأفلام في مُخاطبة مُتفرجيها ، نابعة من عوامل مناخية موحدة ، تتشاركها الأقصاع الأرضية في صراعاتها وإنكساراتها المُتتالية ، وعلى خلفية ماضي عصيب من العثرات ، تفتحت به أزهار تلك الأفلام : أثناء الحرب العالمية الثانية ومالحقها من بدايات الحرب الباردة للقرن المنصرم ، عِندما كانت «النظرية الهتلرية » لا تزال تستحوذ على عقلية المشهد السياسي في تصديه للعدو المُشترك ، فيصنع تحالفاته اللازمة ، ويضع خلافاته جانباً ، ثم ينطلق نحو درء الخطر المنظور في عيونه المُتربصة .
في عالمنا اليوم ، نموت ونحيا وتبقى الصراعات حيَة لا تموت ، نعيشها كل يوم وكأننا على بركان ملتهب ، من إحتقانات طائفية وحزبية تنتهي إلى حروب بالوكالة ، يدنو من فكوكها الشباب الدولي ويعايش تلك المصائب من منظور أقرب عما سبقه ، لما يوفره عصر التكنولوجيا اليوم من أدواتٍ مكنته من مجاورة الحدث وكأنه حاضره ، فنجد الملايين منهم ممن يرغبون في التعبير عن غضبهم ولا يجدون وسيلتهم الذاتية في إبراز دورهم المؤثر في الساحة العالمية ، يلجأون بلاوعيهم إلى ملاذ الفيلم الآمن ، القادر على تحقيق ماسبق بصدر رحب يتنفس الضغوطات عنهم . علماً بأن المتفرج العادي يعي تماماً أن مثل هذه الأفلام ليست حقيقة ولا تقرب إلى الواقع بصلة ، وهو يشتري الوهم بسعادة غالبة ، جميعنا نفعل أو نعي ذلك هرباً من قصور الواقع من تخاذله معنا ، فهذا الوضع لا ينطبق فقط على مفهوم «الأبطال الخارقين» وحدهم : ممن خرجوا من بطون القصص المُصورة ولمعان مُغلفاتها ، وإنما من قيمة البطل الحقيقية في السينما منذ فجر تاريخها ، الذي يأبى أن يكون راضخاً لا لقوانين ولا لمُهادنات ، مُتوكلٌ على الله ومن ثم على مبادئه في إنتزاع حقه بيديه العاريتين . جميع المُعطيات تلك لا تتعلق بمسألة أبطال يُمثلون البديل الآخر منا فحسب ، وإنما تتعلق بدور السينما الإدراكي في تقويم اللاوعي لدينا ، الذي تخلقه في إشتهائنا النظر إلى الواقع البديل بقلب نبض وصورة حية ، والتجارب التي نُعايشها على رقعة الشاشة من قتل وذبح وحب ودراما وميلودراما ، ماهي إلا حاجات تُرضي غرور طبيعتنا المُتبلدة في إصقالها ثوب المثالية في بوادر سلوكنا - نحن من نشهد الخطأ بأعيننا دون حولٍ ولا قوة منا في تقويمه ، لذلك يستشري حُب السلاح ولون الدم ونشوة الجنس تفكيرنا ، لأنه يجعلنا بمنأى عن الإدانة المباشرة ، سواء كانت من سلطة القانون الداخلي أو من سطوة العُرف الإجتماعي .
رٌبما تطور الموضوعية للمعطيات السابقة والتي تُحاول إحالتها السينما إلى لُب الواقع المعاصر ، جعلها تُبادر إلى تشكيل أنماط تماهي نسيجه العام ، فقد أصبحت الـ " فورميلا " المعتمدة في توليف تلك القصص تنص على ضرورة ولادة البطل الرئيسي من رحم الواقع ومن بيئة مُتمازجة الألوان وطواعية للفروقات الفردية ، فنراه يحقق التدرج بنصره على بيئته المُحيطة والواقع الذي يٌسيطر عليه ، ليذهب فيما بعد ضمن تحالفات مع من يُشاركه خصائص البٌطولة ذاتها بغية تحقيق أهداف أعظم من تلك التي تنحصر داخل دائرة صراعاته الروتينية ، فينطلق إلى مدار أوسع يستشري العالم أجمع . وهذا ما تعكسه تلك الأفلام في الانطلاق من وحدة كُلية لكيان البطل في أفلامه المُنفردة وتنطلق نحو جلبة مصيرية تجمعه مع سائر طاقمه في مُواجهة الـ " هتلر " الأعظم والمُدمَر للعالم . فتلتقي المصالح وتؤجل الخلافات ويؤول الوضع ذاته إلى تحالفات واسعة تُطيح بمُخططات العدو كاملة . جميعها تُفسر المنطق التجاري في إستغلال الفرضيات تلك بالإنصراف نحو إستثمارات عظمى تختزل التكثيف والتلويث على الشاشة وتستفيد من تذاكر الوهم التي يبيعها الواهم ويبتاعها الموهومون .
لكن مهما تحايلنا على تلك الفئة في نظرة مُستعلية - حاشى للكاتب أن ينظر بها - بإعتبارها أفلام تجارية بحته ، إلا أن الواقع يبقى واقعاً ، والمشهد السياسي حاضر ويعيش ويُعاصر ويعكس آفات العالم على شاشة من مرأى المُتفرج دون هروب منه ، وهذا ما يُمكن إحالته الى كم الأفلام التي أنتجت مؤخراً وتبتعد عن نمطية الأسلوب المعتادة ، وتذهب إلى السجالات الداخلية للأبطال ، دون تهميشهم وإقصاءهم إلى تلك الرقعة من التفكير التجاري والتأكيد على سطحية شخصياتهم الكرتونية ، بل بإعتبارها شخصيات آدمية تٌفكر وتصارع وتشهد إرهاصات مُتتالية كالتي يلمسها المتفرج ، فنرى فيلماً بثقل « كابتن أمريكا : الحرب الأهلية 2016 » الذي يُعد من أفضل الأفلام التي فرضت ، جدلاً ، التفكك الداخلي بين أطراف التحالف بغياب ناقوس الخطر الأكبر والموحد لصفوفهم ، ونشهد من خلاله الانقسامات والتكالبات من أجل تحقيق السمو الفردي لجهة على حساب الأخرى ، تنجلي من خلاله الصورة إلى أجواء أكثر ضبابية وتتلون الشخصيات بألوان أكثر رمادية ، ولا ننسى المثال الذي شهدته الساحة مؤخراً بصدور فيلم « النمر الأسود 2018 » الذي شجب صالات السينما بالتكتلات العرقية في مجتمع السود ووسع نطاق التحزبية لديه ، وكل ذلك في سبيل تعزيز ثورة الحقوق المدنية والاستشهاد بما يعيشه البطل داخل الشاشة ويعكس تأثيره على المشاهدين خارجها .
وفيلم «المُنتقمون : الحرب اللانهائية» هو إمتداد لتلك المظلة السينمائية وإعادة إحياء «النظرية الهتلرية» من جديد على يد عدو خطير بقدر ماهو حذِق ويمتلك «كاريزما» كافية لتُغرق المُتفرجين في بلاليع عشقه ، وكل ذلك دون الإنحياز عن وطأة الخطر الراجلة على ظهور أبطال الحِكاية الرئيسة «المُنتقمون» ، كيف لا وهم من جففوا منابع التغذية في أفلامهم السابق ونسوا التطرق إلى شخصية الشرير الرئيسية . لذا يُمكن إعتبار فيلمنا هنا هو عن ذلك الشرير " ثانوس " . لكن " ثانونس " ليس مجرد شخصية سيئة السمعة وتسعى إلى السفك والذبح وحده ، وإنما تمتلك حاجة مُلحَة تدفعه إلى الإرتقاء من خلالها ، فلا تقتصر على مسعاه نحو التدمير والتخريب بهدف الحصول على القوة المنشودة ، هو يعي تلك السلبيته والقذارة التي يغمس بها نفسه وتكلفه أغلى مايملك ، وإنما ما يحتم عليه ذلك المنحى في اللجوء إلى سلك طريق يحمله إلى الإستحواذ على إرادة الرب في تقويم الكون وتنظيمه من وجهة نظره وأيديولوجيته الخاصة ، والمُرهقة من آفات العالم الذي يقطنه ويسعى إلى تعديله كما هو «المنهج التطهيري» عند " أدولف هتلر" - فرضاً ، فنراه بكامل مُقدَراته يبذل الغالي والنفيس ويختزل عمليات التنظيف والتطهير المُمنهجة بغية تحقيق أجنداته ، والتي تُفضي بطبيعة الحال إلى عمليات تنظيف من نوع آخر تقوم بها شركة الانتاج بغية التخفيف من دزينة الأبطال المتواجدين على الساحة ، والذين يتناولون الخطر من جغرافيات مُختلفة وعوالم مُتباعدة ، لكن هذه المرة داخل بؤرة إهتمام واحدة تُسمى «ردع ثانوس » .
سيناريو الفيلم الذي قام بكِتابته " كريستوفر ماركوس " & " ستيفن مكافيلي " ، اللذان شاركا الأخوين " روسو " في أفلامهم السابقة ، لا ينشغل كثيراً في منح شخصيات أبطاله مُنحنيات درامية جديدة ولا أبعاداً تجسيدية غير التي شهدناها بأفلامهم المُستقلة ( رهان عادل) ، بل يصب جام تركيزه على زعزعة مضاجعم في البحث عن وسيلة لإنقاذ الكون من أيدي " ثانوس " ( هو المنشود من الحِكاية ) ، الذي أداه " جوش برولن " بحرفية نضحت من ثوب المؤثرات الذي يُغطيه ، بأداءه الحِسي الذي يسحب تعاطفك ونطاق خوفك ويستحوذ على كامل إهتمامك ، وبالعلاقة التي تربطه مع إبنته "غامورا " ، فقد كانت أبعد من كونها علاقة تخاطرية ، هي أقرب إلى الارتباط بخيط رفيع يتوسط مشاعر الحب من جهة ، وما يحدها من كراهية في الجهة المقابلة . رغم التبعات اللاحقة من تخبط النص على هوامش فرعية داخل فصوله في التبديد والتسويف ، والتي أتت كنتيجة طبيعية لحقت صُناع الفيلم وأجبرتهم على دفع الضريبة جراء التكلفة الضخمة التي قاموا بصرفها على التكثيف في السرد وإطالة زمن الحرب ، والمحال من تبذير في صرف المعارك المنفصلة وعلى عدة جبهات ، مما أعاد عليه بالتُخمة والتضخم ، جراء زيادة منسوب بعض المشاهد في التأهيل والتسليح لمايقارب الـ30 شخصية على حساب إحالة الرواية إلى زمن أقل يلبَي النتيجة ذاتها ، نحن نعي حجم الانجاز المتطلب في إنجازه والأخوين " روسو" قاما بعمل جهديهما ، لكن ليست دائماً ما تكون النتائج على توافق تام مع الجهود المبذولة ، بالإضافة إلى حشر كوميديا ( بعض منها ) مُبالغ في دحشها وعصر ممثليها دون ضرورة درامية أو تخدم سياقه ، شهدتها أيضاً أفلام " مارفل " من خلال فيلمين أو ثلاثة سابقات ، وكانت في غير محلها ، وبالتحديد تلك المتلفظة من أفواه شخصية بوزن " هالك " ، التي عمد المُنتجون إلى تهميشها وتسخيفها بالقدر الذي لا يتمازج مع طبيعتها المُتقلبة والغاضبة ، فأفقدها هي وصاحبها " مارك رافيلو " بريق الحضور ، المُستفاد من غياب عنصر التوقع لأفعالها ، ناهيك عن إلتزام الفيلم بالتبعية دون الإنفراد بتجربة مُستقلة ، بحيث تظفر الأحداث بنتيجة تُجبر المشاهدين في الإعتماد على ذواكرهم في تبرير كل نفس يخرج على الشاشة عند مراحل الضبط والربط بهدف التحليل . قد يختلف معي البعض في هذه النقطة ، لكنها نتاج أفكار إنسان شاهد الـ18 فيلماً السابقات ويرى بأن هذا الفيلم مُوجه للمُعجبين والمتابعين لذلك العالم فقط ، فيجعله يفقد شُمولية التجربة وإنفراديتها لمن هم حديثوا الكار ( ومن يهتم؟) وخصوصاً مع تقدم أحداث الحبكة تدريجياً صوب النهاية ; يزداد الأمر تعقيداً .
يمتلك فيلم «المُنتقمون : الحرب اللانهائية» مزايا عدة نابضة من شغف الأخوين " روسو " في إخراجهم لتلك النوعية من الأفلام ، كما عهدناهم مع أفلام سابقة ، لا تقل جودة ، كان آخرها فيلم «كابتن أمريكا : الحرب الأهلية» الذي أجده حتى الآن أفضل إنتاجات «عالم مارفل السينمائي» . الأخوين " روسو " هنا ينجحان في إدارة الفوضى وتوسيع دائرة الصِراع ووضع الشخصيات في مواقع صعبة وقرارات متبدلة تثري الإشكال المتضخم ، ما إذا أخذنا بعين الاعتبار الزخم في تناول الشخصيات والأحداث من منوال فيلم يحمل 10 سنوات من الإستعداد على ظهره : من عتاد وعُدة ، صُرفت على نحو 18 فيلمٍ سابقات ، وتقرب الـ40 ساعة فيلمية مجتمعة ، من أجل أن يقوموا بالحصر والتطويق على حِكاية مُعقدة وتتشعب أحبارها على زمن يقرب الـ "ساعتين ونصف" فقط ! ، فهذا لوحده يُعتبر إنجاز يُشاد بحقهم ( رُفعت القبعة ) . وفيلمنا هُنا هو إمتداد لنجاح «عالم مارفل السينمائي» الذي صادق منذ زمن على إمداد مُعجبيه بالمُتعةِ والترفيه الصادقان .
تحياتي