الأربعاء، 11 أبريل 2018

مراجعة فيلم le bonheur 1965


" هل يوجد ماهو أكبر من السعادة؟ "..

le bonheur 1965 - The Happiness - السعادة

•  إخراج: " أنيس فاردا "
•  التصنيف : دراما - رومانس
•  حالة المراجعة  :   بدون حرق
•  الكاتب  : ليث التميمي
•  التقييم الشخصي :   ★★★




ليس بالغريب على فيلمٍ عِنوانه " السعادة " أن يكون سعيداً ، ولا أن يعجَ بالألوان البراقة ولا الأشكال الحداقة ، لكن الغريب أن يكون عن السعادة ذاتها دون لذعة ألم أو قدحة إشكال : ما إذا إعتبرنا أن الأحزان هي سبيل قوامة البشر تجاه السعادة ، تُربي التواضع لديهم نحو فِهم أبعد للحياة وأحكم للعق . في فيلمنا هنا ، حاولت " آنيس فاردا " من أن تُشغل المُشاهد بالقدر الأكبر من جماليات الصورة الغنية باللوحات البصرية الأخاذة ، والتي تعكس بدورها روح الحِكاية وليونة شخصياتها الصادرة من نبع السعد نفسه ، ولنرى أن الأخيرة ماهي إلا صنيع ذاتي يُمكن أن بعتمده  الانسان كأساس وليس كإستثناء / كون أن الحياة بمُجمل مٌسمياتها تعتمد الثنائية التكاملية بين فعل التعاسة ورد السعادة ، وبتشكيلهما علاقة تشاركية لا تكتمل الواحدة دون دعمٍ من الأخرى . وفيلمنا هُنا ، تقلدت السعادة الرئاسة الجمهورية ذات الوظائف الأحادية بمنأى عن التعاسة ، التي لا تُمثل سوى بضع عثرات وأشباه نتوءات فاهية على السطح  . فلا ترجع بإعتبار جاد نحو سبر أعمق لمفهوم الحياة أو سعي نحو معنى أسمى للسعادة ، فالمسألة التي أوردها الفيلم إرتبطت بديمومة الهناء على الأرض مُحاكاةً لطبيعة الجنة في السماء ، وإستعارت طوق السعادة الملفوف حول خاصرة شخصياتها ، وإعتماده الأساس في الحصيلة الرئيسية والمُتطلب الدنيوي ، أما بناء السعادة وإستكمال طلبها هو السعي الجاد نحو سعادة أكبر فأكبر ! .

تُعبّر حِكاية "السعادة " عن طبيعة إسمها الساقط على حياة زوجين وأبنيهما . الحياة الذاخرة بأجواء الفرح والانبساط  والتفاهم . فالزوج " فرنسوا " : طويل القامة ، رشيق البُنية ، وجهه وسيم يحمل غمازات ، ويعمل في النجارة . أما الزوجة "تيريز " : فهي قصيرة ، بريئة ، طيبة ، مُخلصة لزوجها وأبناءها ، وتعمل في صناعة فساتين الزفاف والألبسة النسائية ، بالاضافة الى طفليهما الصغيرة "جيسو" وأخوها الكبير "بيروت" . نُصحب جميعنا برفقتهم إلى ريف "فرنسا" في رحلة بين أشجارها ومنابت خضرتها وفاكهتها وزهرها ، لنتعرف بصورة فاحصة على تطابق السعادة للطبيعة الآدمية مع الطبيعة الأرضية ، فجميعها علامات مُكملة لـ "ثيمة" عُنوانه. ننتقل بعدها إلى " إيميليا " : الجميلة ، المُغوية ، الساحرة ، تعمل في البريد الوطني ، والتي تَقع وتُوقع " فرنسوا " بالصدفة في أحضان حبها ، ولتغرق هي الأخرى في سحر عيونه ووسامة رجولته . فتتلاقى نظرات الإعجاب الأولية ، وتتوالى الزيارات شيئاً فشيئاً وتكبر العلاقة داخل مُثلث الحب نفسه والمربوط رأسه المدبب في قلب رجلٍ يتسع لدزينة من النساء ، وتُقنعه الرغبة دوماً بأن لديه ما يكفي ليحبهم جميعهم ، في أي مكان و أي زمان . 




 لا عجب من وجود إنقسامات غريبة في هذا الفيلم ، لاسيما أنها مرتبطة بعوامل يُمكنها من إضعاف مُجريات الحبكة وتتفيه أكبر للمُحتوى : كإطلاق العنان للبشاشة والروح المعنوية الجميلة دون وقوع لمسة شيطانية تُثير الرغبة ، أو حتى إثقال الأداءات بتجسيدها . لكن ، ورغم ذلك كله ، إستطاع الفيلم من أن يسحبك إلى عالمٍ موازٍ من المشاعر الغير مُسيطر عليها أو مُدركَة لعواقبها  ، خصوصاً تلك المُتعلقة بحُب المُشاركة مع الآخر بأطر مُتساوية  ، فيختلس بنظرة إلى مدى العدلية التي يُمكن أن يحرزها الرجل في تلك المواقف ، هنا تزداد الحبكة تعقيداً من منوال أصعب للفهم ، وخصوصاً أن الشخصية الرئيسية ،وهي الرجل، تُعاني من فرط منح الحب ، للزوجة وللعشيقة على حد سواء ، وليس لديه  مانع من أن يجمع الإمرأتين تحت ظله دون مناكفة ذهنية وعاطفية في حُب واحدة على حساب الأخرى ، فهي بطبيعة الحال الثيمة الأساسية للنص ، ومن خلالها تختلص المعالجة النهائية في إحتساب الفرط المتدفق من أنزيم الحُب وحساب ضياعاته ، وهي حالة غريبة بالطبع ، لا يٌمكن عكسها على حالة واقعية أو عملية في الحياة الخارجة عن إطار الشاشة ، لكن " أنيس فاردا" إنزلقت تحت المُسميات العامة وقادت بفحص جزئي نحو تفاهة السعادة أو سخافة الرجل في طلبها ، لإعتقاده بأنها شجرة ، يرى بها نفسه الأصل وباقي أحباءه هم الفروع ،  التي تكبر من ضلعه وتزداد مراحل نموها تضخماً ، ويُعاد بناءها من جديد .

المراحل الدرامية التي مرَ بها الفيلم قُسمت إلى عدة مراحل في ذهنية رجل وعاطفته المُفرطة ، فصلت بينها ومضات لونية خاصة ، تعبر من خلالها عن هالة الرجل وحالته الآنية وتترجم مشاعره المُتلونة ، فمثلاً : اللون الأحمر الذي يُمثل الحب وفورته بينه وبين زوجته ، والأخضر الذي يُمثل سعادة الحب الإضافي أو التشاركي بعد تعرفه على " إيميليا" ، أما الرمادي كان مرحلة القلق والتوتر من السعادة وهاجس جمعها في زاوية واحدة دون إحتقان الموقف من قبل جهة على الأخرى ، ثم الأسود الذي يُعبَر عن العثرة و الحزن والكآبة والصدمة  ، واللون الأصفر الذي يُعبر عن سقوط أوراق الحب ، لتنمو بعدها أوراق حُبٍ جديدة تشهد إستمرارية شجرة الحياة داخل كنف قلبه وحبه الوفير الذي لا ينفذ .


قد لا تكون هذه الحكاية ذات صقل تام للمُشاهد وتلبي كامل رغباته الجامحة ، لكن ما يجعل منها حِكاية مثيرة للإهتمام ، هو الغموض الذي فرضته " فاردا" علينا من خلال تلك الشخصيات ، التي يعتري كلٍ منها كياناً مُستقلاً عن الآخر ، فلا تسمح في الإنحياز لجهة على حساب الأخرى ، أو الوقوع في مصيدتها "ميلودرامياً" ، فجميعها عالقة في عالم الأحلام ذاته والرغبة السعيدة في منح المزيد من الحُب ، وكأننا داخل حكاية خيالية كالتي يتناولها الأطفال وتدور عجلة تشغيلها مراراً وتكراراً ، فهو فيلم حساس ومغرق باللوحات البصرية والألحان الموسيقية ، والتي مثلت من خلالها خُصوبة غرامية في طور العشاق ، ناهيك عن إلتقاطه لإطارات دقيقة تتفاعل معها الأطروحات العضوية داخل الصورة ; فالألوان تتداخل صانعة بدورها لوحة فسيفسائية ، وبعض اللقطات تتتابع بسرعة موظفة عنصر الإيحاء . وبالحديث عن التوظيف الجسدي في الفيلم ، فقد إختبرنا ، كمشاهدين ، إستشعار " فاردا " للأداة الجسدية لتوطيد رؤيتها ، فقد حازت الأجسام على النصيب الأسد من اللقطات لتعزز بدورها من فتنة الطبيعة وواقعية اللوحة النهائية وتزيد من جمالية المشهد  .

- حاز فيلم " السعادة " على جائزتي لجنة التحكيم و " الدب الفضي " في مهرجان " برلين " السينمائي عام 1965  .

هناك تعليقان (2):

  1. مقال رائع بيعبر عن الواقع مش بس عن الفيلم
    ،على وصفك الحلو وتبريراتك خليتني أتعاطف معه مع انه خاين واناني
    يعطيك الف عافية ، متابعة وًبقوة ^.*

    ردحذف
  2. ردك الرائع أفنان ، شكراً على تواصلك الدائم ، والفيلم جميل كجمال ردك أكيد . تحياتي

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.