الاثنين، 9 أبريل 2018

The Citizen Kane & The Dark Knight


"عندما يٌبدع الكاتب في استلهام مادته "

..
ChristopherNolan & Orson Welles
(The Dark Knight / The Citizen Kane)






كتب  : ليث التميمي :-

بينما كان " كريستوفر نولان" يستعد لتصوير فيلمه " فارس الظلام" ، قام بعرض عِدة أفلام على فريق العمل ومنهم الممثلين أيضاً ، كان من بينها الفيلم الظاهرة " المواطن كان " . لمن شاهد " المواطن كين " سوف يعي تماماً حق العبقرية الكامنة داخله وداخل رؤية صُناعه ، وبالتحديد عِندما يقوم بمُقارنته مع أفلام جيله ، من حيث طبيعة السرد والتوليف البصري والصوتي أو حتى أداء " أورسن ويليز" نفسه ، ويعود الفضل الأعظم الذي عاصر هذا الفيلم ، والذي ضمن له الإستقلالية عن باقي أقرانه ، بإعتباره عملاً لا يُمكن مُقارنته في أحد ، إلى دخوله المفاجىء عالم السينما ، ومُقتحماً أبواب "هوليود" لتلك الفترة ، عندما كانت ذات أنماط مُتماثلة في طرح أعمالها السينمائية ، وبإعتمادها السطحي على عناصر الحُلم الأمريكي في القوة والغنى والسعي نحو القمة بقيادة بطلٍ لا يعرف الهزيمة ولا الخنوع ، داخل حبكات تقليدية نُوَم عليها جُمهور السينما وقت الحرب آنذاك .

نتيجة بحث الصور عن ‪christopher nolan dark knight‬‏


" المواطن كان" مارس نقيض ذلك كله ، عِندما تحدث عن القوة وتفاهة طلب القوة ، عن الشهرة وقتامة ضوء الشهرة ، وعن البطولة وتشويش صورتها داخل أدمغة الجمهور ، والكثير من الأمور النقدية للمجتمع والفرد على تقابل النظيرين . والكلام السابق لا يُعبَر سوى عن نظرة عامة لما يحويه سيناريو " المواطن كان " ، الذي لانود الخوض بتفاصيله هُنا ، ودرس في التركيبة "السايكولوجية" التي إعتمدها " أورسن ويليز" عند التنقل بين طبقاته ، بين الحالة والمضادة لها تماماً .

إن اللغز الحقيقي والمرتبط في هذا الفيلم كان كلمة " روزباد" ، التي إستهل بها الفيلم أحداثه عندما تلفظ بها "كان " خلال أنفاسه الأخيرة . "روزباد" هي في الأصل إسمُ زلاجته التي كان يلعب بها في الصِغر ، ويستمد منها الفيلم أحداثه من خلال البحث والتقصي عند مدلولها ، ولفهم أكبر لشخصية " كان" والعمل على توصيل الغاية الرمزية من تلك الكلمة ، وقد نجح بذلك بالطبع.




بالعودة إلى " كريستوفر نولان " وعن طبيعة إستلهامه من " المواطن كان " ، في المرة الأولى عند مشاهدتي للفيلم كنت قادراً على تشكيل المُقاربة التي إشتغل عليها " نولان " في تصميم شخصية "الجوكر" ، من حيث التركيبة المُتنافرة للشخصية (طبيعة آدمية ) وغرقِنا داخل أبعادها النفسية ، على عكس باقي الشخصيات النمطية ذا الطابع المُطلق في السلوك ، خير مطلق أو شر مطلق ، إستطعت من خلالها وضع بعض النقاط على بعض الحروف كي أستشعر بوضوح ذلك المُسمى العام لتلك الرمزية في إرتباط الآلية بالتفكير عند الشخصيتين ، بإعتبارها شخصيات وُلدت من رحم الواقع وليست محض خيال أو إنغماس في الوهم .

لكن بعد المُشاهدات المُتكررة ، وبعض المُتقطعة منها عند الرجوع إلى مشاهد مُحددة ، كان العامل النفسي يُأتي أُكله في توثيق معنى أوضح لكلمة "روزباد" ، في ذلك التقارب بينها وبين عبارة " الجوكر" المُتكررة : "أتدري كيف حصلت على هذه الندوب؟" ، التي يلجأ لها عِند تعرضه لمواقف حساسة يُبرز بها نتوءات مرضه أو لنسميها "هواجسه" ، فيُظهر تناقضاً غريباً في الإجابة عنها ، تختلف بإختلاف طبيعة الموقف ، والتي لا تكن بتلميحاتٍ فاضحة سوى أنها خرجت من شفاه عقلية مريضة فحسب ! ، لكن سرعان ما يُجلي الوضع نفسه إلى أبعد من ذلك ، عندما نفرش أرضية الإسقاطات النفسية ، ونُقدِم على فحص "تخيَلي" للتجارب التي خاضها خلال حياته وشكلت الجبِلَة الماثلين أمامها اليوم .

في " المواطن كان" ، ذُكرت كلمة "روزباد " خلال حدثين مفصليين في حياة " كان" ، الأول عندما توفي ، في بداية الفيلم بطبيعة الحال ، والثانية عندما هجرته زوجته " سوزان" . أما في " فارس الظلام" ، قام " الجوكر" بالتحدث ، خلال مشهدين أيضاً ، عن أسباب تعرضه للندوب على وجهه ، في المرة الأولى كانت مُرتبطة بالتي رسمها والده ، المُجرم والسكَير والعاطل عن العمل ، على وجه أمه فشوهه ، وقال لإبنه(الجوكر) عبارة : "لما كل هذه الجدية ، لما لا نرسم إبتسامة صغيرة على وجهك ؟! " وعلى أساسها قام بجرح وجهه مما أفضى إلى تشويه خِلقته . في المرة الثانية كانت العبارة مرتبطة بزوجته التي قام المُجرمون بتشويه وجهها عندما لم تسدد ديناً قامت بإستلافه ، نظراً لحالة الفقر التي كان يعيشها " الجوكر" سابقاً ، ومن فرط حُبه لها قام بجرح نفسه ليصبحا الإثنين مُشوهين بتآلف دون نفور أحد من الآخر ، لكن زوجته ، في نهاية المطاف ، لم تُطق شكله فأشمئزت منه وقامت بهجره .

في الفيلمين ، كان الهجر والانفصال عاملا تحول في شخصية كلَ من " الجوكر" و"كان" ، بإعتبارها مُنعطفاتٍ حادة في حياة كل منهما ، كونت من خلالها أفكارٍهم الخاصة و هواجسٍهم الذاتية عن طبيعة الحياة وأسلوب مجاراتها . فلو إعتبرنا أن "كان" كان يملك فُقداناً للأمن والحب - المزمن - ليٌعوضه بإعتلاء المناصب والتفرد على باقي أقرانه كنوع من السُخرية الذاتية على طبيعة البشر التي تفنى بماديتها على حساب براءتها ، فإن " الجوكر" كان يُعبر عن نفس السخرية التي يحملها ضد عالم الإجرام الذي يستعد الساكن به إلى إزهاق أرواح وطمس أحلام في سبيل بضعٍ من الأوراق . لكن ، وبرغم وقوع الشخصيتين داخل بُركان الإشمئزاز والنقم ذاته ، آلت أحوالهم الى الشرب من نفس الكأس الملوثة ، بل وأصبحا ضمن قرارات مُتطرفة أسياداً عليها .

إن المُقاربة التي قام بها " كريستوفر نولان " شديدة الحساسية والعبقرية في نفس الوقت ، دون وضع الأخير نفسه عرضة للإتهام في التقليد أو الإستنساخ ، وإنما من خلال صنع مسار جديد لإستلهامه ، ساهم بدوره في تحقيق فِكرة التركيب السايكولوجي للشخصية دون تسطيحها ، وإستثمار جرح الصِغر كمنفذ واسع في تشكيلها ، فالـ"الجوكر" لم يختلف كثيراً عن " كان" إلا بالفوارق المادية والمستوى الإجتماعي ، فالإثنان هُما وليدا شرخٍ كان أساسه الإنفصال عن حضن الأم والحرمان من عواطفتها ، حاولا تعويضه في حب الزوجة دون نتيجة ، لينتهي كلَ منهما في عالم مغاير عن الآخر لكن بغريزة الحرمان ذاتها ، الأول يجمع المال والتحف والجاه والقوة في سبيل تعويضه لعاطفة مقموعة ، أما الآخر فيسرق البنوك ويحرق المال ويعيش عشوائيته المُنظمة في سبيل أن يبقى في بؤرة الاهتمام .





() عبارات إشتركت بها الشخصيتين في المضمون :

- "كان " : أنا لا أعرف كيفية إدارة الصحف وأحاول تجربة كل شيء يدور في ذهني" .

- "الجوكر" : "هل أبدو حقاً كرجل ذي خطّة؟ أوتدري من أنا؟ أنا مثل الكلب الذي يطارد السيّارات لن أدري ما عليّ فعله ! ، لو أمسكتُ بإحداها أتعلم؟ أتصرّف بعشوائيّة فحسب.



تحياتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.