الجمعة، 13 أبريل 2018

مراجعة فيلم A Quiet Place 2018

" في الصمت قيمة للصوت " ..

A Quiet Place - مكان هادىء

•  إخراج: " جون كراسينسكي "
•  التصنيف : رعب- - إثارة - دراما
•  حالة المراجعة  :   بدون حرق
•  الكاتب  : ليث التميمي
•  التقييم الشخصي :   ★★★★





إنه واحد من أفلام أمريكية كثيرة تعاطت مع غزو المخلوقات الفضائية ، الدخيلة على عالم البشر ، العالم الأرضي ، وهي  تنتمي إلى ضلع الرُعب في السينما من حيث المُعالجة والتطبيق ، وتعمل بواسطة خُطة راسخة للأحداث : تهجم المخلوقات لتقتل البشر أو لتأكلهم مُجتاحةً قطرهم المعيشي فيحطاطون إما في السراديب العميقة أو البيوت المُدعَمة سياجها أو في الدوائر الحكومية المُغلقة . جميعهم يُحاولون مُمارسة فِعل البقاء نفسه ، إما في المُهاجمة وإما في إقتراح آلية للتصدي ، فتختلف تلك الآلية بإختلاف المُهادنة التي يضعها صُناع العمل على الطاولة ، فيلجأون غالباً إلى إستخدام نقاط الضعف مُحركاً أساسياً للحبكة من خلال إجتياح البشر نقاط ضعفها دون خضوع ماثل أمام عُنصر الملل ، والإستعاضة عنه في تضخَم الإشكال وتعزيزه من زوايا مُختلفة ، تُحيط أبطاله بحلولٍ عويصة ، ومُقارعة مستمرة تدنو من فكوك أحداثه .

دون شروحات كثيرة يعمد إليها الفيلم ، يستفتح  " مكان هادىء " أحداثه بالذهاب إلى عائلة مُكونة من زوج إسمه " لي " ( جون كراسينسكي) وزوجة إسمها " إيفيلين " ( إيميلي بلانت) مع أبناءهم : البكماء " ريغان " ( ميليشانت سيموندز) ، " بيو" ( كاد وودوارد) ، و "ماركوس" (نُواه جوب) ، وهي عائلة مُتجولة بعد 89 يوم من تعرض العالم لهجوم من قبل مخلوقات عملاقة تُشبه الجراد والتي تلتهم جميع الكائنات الحية ، والتي تلتقط فرائسها عن طريق إصدار الكائنات صوت أو إحداث ضجة ما ، لنتعرف من خلالهم على طبيعة ما آلت إليه الحياة بعد الهجوم ، عن طريق تغييرهم لروتينيات اليومية ، بحيث أمسوا يصنعون أقل قدر من الضوضاء ، فنرى العائلة ترسم خطوط حياتها من جديد ، وتتخذ إحتياطاتها الدائمة والمحولة بينها وبين وُقوعها فريسة بيد تلك المخلوقات .




من خلال الدخول إلى أحداث الفيلم ، نتعرف بصورة فاحصة على أسلوب معيشة تلك العائلة ، وإنتهاجها الصمت أداةً في البقاء على قيد الحياة ، ليبقي المشاهد دائمًا على حافة التوتر عند أي سلوك هامس ، مُحاولاً أن يفهم تصرفات تلك العائلة التي تواجه علامات التهديد المستمرة ، في الوقت الذي يبدأ به الفيلم جيداً أحداثه دون تكلم ببنس شِفه من قِبل شخصياته ، يُحاول إقتيادنا تجاه البدائل الشرحية لمُجريات الشاشة من خلال ماهو مكتوب على الجُدران وبعض الأدوات التي تستخدمها العائلة في تناول الطعام والاستحمام والانتقال بين مكانٍ وآخر وباقي روتينياتهم اليومية لكن في الواقع البديل طبعاً ، بالإضافة إلى إستعمال لُغة الإشارة بين بعضهم ، في توضيح بعض الحوارات المُعززة بشريط ترجمة مُصاحب ، ناهيك عن الإختيار السليم للممثلة الصغيرة ( ميليشانت سيموندز)  وهي بكماء في الحقيقة ، ساهمت أيضاً في تعليم لغة الإشارة لطاقم العمل ، مما أضاف بدوره عُنصر الإهتمام إلى مِصداقية العمل من قِبل صُناعه .

ينقلنا " جون كراسينسكي " إلى مٌستوى أعمق عن قيمة الصوت في حياتنا كوسيلة تواصل ، كما هو النظر والسمع والشم ..إلخ ، وهي بالطبع ليست تجربته الأولى مع أداء تمثيلي مُشابه ، كان قد أدى دور الإنسان الصامت في فيلم سابق إسمه " ألوها 2015" ، لكن هُنا بقيادته الإخراجية الكاملة ، إستطاع من خلالها أن يستغل غياب الصوت ليذهب بإستفاضة نحو العلاقات الأبوية مع أبنائهم وآلية التواصل بين بعضهم ، وهو مفصل رئيسي في الفيلم السابق عِندما كان يجسد دور " رب الأسرة " الذي لا يمتلك لغة تواصل مع زوجته إلا بلغة العواطف والتجسيد البدني للشخصية لينقل لنا غُربته في بيئة صاخبة ، لنرى في فيلمنا هُنا ، لكن من جِهة مُغايرة ، إبنته " ريغان " التي تحمل على عاتقها هموماً تثقل تفكيرها بالنسبة لطفلة بعُمرها ، تتضح من خلال إحساسها الدائم بتنحي الحضن الأبوي عن إحتواءها مثلما يحوي أخوانها ، ومن هُنا تأتي مُفارقات الفيلم القاضية والتي تُغيَر من مجرى الأحداث وتُعيد لتلك الطفلة بعضاً من إعتبارها .

إن ما سبب إختلاف فيلم " مكان هادىء " عن باقي أفلام من نفس الطينة ، ليس جميعها ، هو العامل الدرامي النافذ في القصة والذي كان قادراً على رؤيتنا للموضوع من تلك الزاوية دون التركيز على عُنصر الرُعب الأساسي ، فهو بطبيعة الحال لا يخرج عن التعليمات السابقة لأفلام مٌشابهة في تنظيم خضاته الفزعية وموسيقاه التوجيهية نحو الخطر أو حتى تصميماته الشكلية على مستوى العمق البصري ، فهو يمتلك ميزة مُوازية ، لا تتعدى ، ماسلفه من أعمال ، لكن العُمق الدرامي كان له اليد العليا في مُجريات أحداثه ، فقد حاول من شحن أداءاته بفعالية كبيرة ، بوضع بُطولة مُشتركة وموازية ، حاضرة بين جميع المُمثلين وتتشارك هيكلية مُنتظَمة . فتنقلنا الكاميرا بعدستها إلى وجه " إيميلي بلانت "  ذي العصب القاسم في الجبهة والمُتعرَق والمنهك من إستياءه ، لنعي حجم الوهن النازل على قلبها من خلال إنفعالاتها وتفاعلها مع المُحيط بغريزة أم تحمي أطفالها بنفسها وتُشارك زوجها الحميمية بصدق دون " كليشيهات " مهروسة ، وهذا بالطبع يعود أيضاً لكونها زوجة " جون كراسينسكي" في الحقيقة ، مما ساعد في كسر الحواجز والتحضيرات المُتكررة لدى الدور ، بالإضافة إلى دور " جون كراينسكي" هو الآخر ، الذي كان يمتثل أمام تقسيمات وجهه التعبيرية ولغة عيونه عند المُنحدرات الدرامية ، بلقطات " كلوز أب " تمركزت على وجهه ووجه زوجته فعكسا بدورهما براعة التجسيد ، ولا ننسى الدور الكبير المُلقى على عاتق " ميليشانت سيموندز" والذي لا يقل إجادة عن الآخرين ، بإعتبارها شخصية مِحورية ساهمت في تحفيز الحبكة بتجلياتها و تعابيرها الجسدية .




هامش :

رغم وقوع فيلم " مكان هادىء " في قلب الصمت وعلى حافة التكلم ، إلا أنه ، وبصورة جزئية ، يعبَر عن رِسالة حضورية تُرثي سينما الصمت ، وإستشرافاً للإرث السينمائي المُلحق من خِلفتها . إن ما لم نفهمه حتى الآن عن سينما الصمت وطبيعتها المُتوحدة مع نفسها ومع مُشاهديها بخصوصية كُبرى ، بالمُقارنة مع أي سينما مُقابلة ، هو تحفيزها  الدائم للمشاهد في إختراق الشاشة والنزوح عن أية إستقطابات تصريحية وتلقينية نحو ماهو مُتخيَل ومرسوم في الذاكرة عن طريق إعادة صياغته ، كما إلتمسناه من المشهد الإفتتاحي في الفيلم ، لأن الطبيعة المشهدية في سينما الصمت تفرض عليك عُصورات ذهنية تهدف إلى دبلجة المرئي لما هو مسموع ومحسوس ومشموم أو مُدرك مادياً بصفة عامة ، بتواصلها الدائم مع الزمان والمكان من منظور مُعرَى عن الإصطلاح من خلال إعادة توليفه من جديد بصورة أكثر ذاتية وأكبر جمالية بل وأكثر إنفرادية مع المُشاهد ، فكما أن الأعمى تزداد لديه حاسة السمع قوة ، فإن الصورة البكماء تقوي جميع الحواس ، وتفرض دفوعها المنطقية نحو التواصل ورسم العلاقات بصورة أكثر إلتحاماً ، فكم تمنيت أن أنزع شريط الصوت من العجلة كما أنزعه عندما أشاهد صمت السينما بين يدي ، فأعيش الحكاية أكثر وأعطيها قيمتها الحقيقية .

تحياتي

هناك تعليق واحد:

  1. تسلم الايادي❤️
    متأملة فيه جدا وعارفة رح يعجبني كتير والحمدلله كلامك أكد عهالشي..شكله رح يتفوق على the mist

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.