" رُكبة متهورة لا تبعد كثيراً عن تهور صُناعها " ..
The Commuter - الراكب
• إخراج: " جويم كوليت سيرا"
• التصنيف : أكشن - مغامرة - غموض - دراما
• حالة المراجعة : بدون حرق
• الكاتب : ليث التميمي
• التقييم الشخصي : ★★★
في عام 2015، وعلى إثر حادثة " تشارلي إيبدو" الإرهابية في فرنسا ، صرح المُمثل الإيرلندي "ليام نيسون" عبر منبر الصحافة عن مدى أسفه على الوضع الذي آل إليه العالم اليوم جراء تفشي سياسة العُنف والقمع المتجذرة في نفوس سكانه؛ حيث أصبح بموجبه عالماً يهتدي بضالته إلى بٌركانٍ ملتهب من الصراعات والقتل والحروب بالوكالة ، وأوضح أيضاً إمتعاظه الآخر تجاه سياسة بلاده في تعزيز تلك النظرة من خلال منح الحرية المدنية لحمل السلاح في أمريكا ، وأضاف بدوره عن الدور الكبير الذي تلعبه شركات السلاح في تدجين المواطنين بالأسلحة ، معبراً أنه من المُخزي أن يكون عدد سُكان الولايات المُتحدة ما يقارب الـ340 مليون نسمة و300 مليون منهم يمتلكون الأسلحة من مُختلف الأنواع والأحجام ، وكل ذلك دون توجيه أصابع الاتهام إلى " هوليود" من حيث المشاركة في حملة التشجيع على حمل السلاح ، كون أنه نشأ على مُشاهدة أفلام الويسترن الأمريكية و مشاهد القتل والذبح دون أن ينتهي به المطاف إلى قاتل أو حامل سلاح ، بإعتبارها أعمال خيالية لا تصل الواقع بشيء .
وعلى ضوء ما سبق ، سارعت شركات السلاح من منبرها بالرد على تصريحات " نيسون " وضحدها مباشرة لبُطلان أساسها وعدم مجاراتها لواقع البلاد ، وتعهدت بدورها في إلإمتناع عن تزويد أفلام " ليام نيسون" بالأسلحة والمعدات ، مجيشة بذلك الشركات الأخرى على تطبيق الحظر المُصاغ ضد أعماله ، وأوضحت بأن التصريحات التي أدلى بها " نيسون" كانت تُقوض من الحرية الخاصة وتحجب القانونية المدنية في حمل السلاح ودفاع المواطنين عن أنفسهم .
في ظل المُشادات السابقة ، شهدت الثلاث سنواتٍ الأخيرة إنقطاعاً ملحوظاً لحضور " ليام نيسون" على ساحة الأكشن والحركة ، إثر إنشغاله بالاعمال الدرامية والكوميدية دون تصريحات على عودته إلى شاشة البطل المغوار من جديد ، مما أفضى بدوره إلى إنقطاع حبل الأمل المعلق بأجسام جُمهوره العريض عن طريق العودة إلى هذه الأدواره . في هذا العام يعود البطل الكهل إلى حجرته الآمنة بفيلمه الأخير " الراكب " رامياً بحظر تلك الشركات وراء ظهره ، دون فرط في التسليح ، ليثبت أنه ممثل لا ينزع في التقاعد عن أفلامه الحركية ، حيث صرح قبل أشهرٍ قليلة ، على إثر اشاعاتِ غير رسمية حول قرار إعتزاله تلك الأفلام ، مؤكداً بأن ذلك غير صحيح ، ومتعهداً بأن يقوم بعمل المزيد من تلك الافلام حتى وفاته . وحتى هذه اللحظة لا توجد له نية في الإعتزال ترمي في الأفق .
فيلم " الراكب " لا يخرج كثيراً عن " الفورميلا" التي إعتمدها " نيسون" في توطيد أفلامه ، ولا سيما أن هذا العمل هو الإشتراك الرابع بينه وبين المُخرج الإسباني " جويم كوليت سيرا" صاحب أفلام تحمل نفس الوتيرة مثل : " المجهول" ، " بدون توقف" ، و" الهرب طوال الليل " . والتي هي أيضاً من بطولة " ليام نسيون" نفسه . يعود من خلال هذا الفيلم إلى إعادة أمجاد الرفقة بينهما ، لتُلقي بظلها على شماعة العائلة والتضحية في سبيل إنقاذها ، وفيلم " الراكب " هو إمتداد لتلك المظلة . حتى في فيلم " سيرا" : " بدون توقف" ، كان فضاء الفيلم لا يخرج عن حيز الحبكة : ألا وهو " الطيارة" ، التي كانت تعبر فوق المحيط الأطلسي . كذلك المقاربة نفسها تاتي مع فيلم " الراكب " هنا ، الذي لايخرج فضاءه أيضاً عن حيز القطار ، الذي يعبر سكته الحديدية من وإلى مدن أمريكية مختلفة .
أحداث الفيلم تدور حول موظف شركة تأمين يُدعى " مايكل وولريتش" ، يُطالَب من قبل مديره بإنهاء خدمته داخل ظروف غامضة بدعوى أنه أصبح يشكل ثقلاً على الشركة ، ويعود باكراً إلى بيته مستقلاً قطاره المعتاد ، ضمن حشود من الناس داخل القطار يتعرف إلى إمرأة غامضة تدعى " جوانا" تطالبه بلعب لعبتها الخاصة من أجل الحصول على بعض الأموال ، وتضع له خطة محكمة ومن ثم تغادر القطار دون ترك أجوبه كافية لدى " مايكل" ، فيضطر ، وبحكم ذائقته المالية ، إلى تنفيذ المهمة المناطة به ، لينتهي الأمر به داخل مؤامرة محاكة خصيصاً له من أجل تنفيذ عملية قتل على متن القطار ، بإستخدام ورقة العائلة وتهديده بقتلهم إن لم ينفذ مطالبهم الكاملة ، لتدور الأحداث فيما بعج داخل دوامة من الإثارة والغموض ، تلحق بـ " مايكل" ، مسابقاً بها عقارب الساعة . فهل سيتمكن من تنفيذ مهمته وإنقاذ عائلته ؟ .
سيناريو الفيلم شهد إشتراكاً ثلاثياً في الكتابة ، من بينهم " ريان إنجل" صاحب " بدون توقف" سابقاً ، والتجربة الأولى لدى آخرين ، هما " فيليب دي بلاسي" و " بايلون ولينغر" . إن النتيجة التي يفضي إليها العمل في أوضاع مشابهة تعود بإنتهاكات بارزة في تمثيل روح القصة بغية تحقيق أهدافها بجدية ، ولا سيما أن الفيلم يلتمس بفقدانه حلقات الوصل الدرامية بين محاوره الثلاثة : الشخصيات ، الدوافع ، والنتيجة . ولا شك أن فيلم " الراكب " يحمل هموماً على عاتقه في توجيه بطله " مايكل" من خلال ظروف قسرية محيطة به ، لكن التحديات المُصاحبة له على طول خط الفيلم لا تترك أثراً تُنشد به التحديات المصاحبة في الكتابة ، فنرى الشخصيات مستسلمة الى سلبيتها ، داخل مضمار شاسع من الأحداث المفتعلة وكأنها واقعة بالـ"الباراشوت" على أرض القطار دون دعوة رسمية ، قادت بدورها إلى نهاية " باروكية " من تعزيز السلبية بشرح المواقف ، وإثراء الهشاشة بهشاشة أخرى .
" جويم كوليت سيرا" ، مخرج العمل ، إستطاع أن يضع " ليام نيسون" داخل كومة من المنطق الملتوي والنتائج المشوشة دون إعتماد شفافية كامنة ، وإستعاض عنها بمهارات تقنية وأسلوبية في إستخدام الحدث كموضع قدم في طرح القدر الأكبر من الصدمات والإنفعالات المفيدة في فيلم حركي لا يهوى الإلتزام الدرامي . أما على مستوى الشخصيات وفريق الممثلين ، فلا يشهد فيلم " الراكب" حضوراً موازياً بين شخصياته ، لقصور نصه بالطبع ، وخصوصاً باننا نتعامل مع أسماء ثقيلة في الميزان ، أمثال " فيرا فارميغا" والتي أدت دورها بكمالية دون تعمق وارد لأفعالها ، و" باتريك ويلسون" رغم وقوعه كمحور رئيس في القصة إلا أن الحضور لم يكن على قدر من الأمل المرجو ، ولا ننسى " جوناثان بانكس" ( مايك - بريكينغ باد) و" سام نيل " (تشيستر كامبل - بيكي بلاينرز) اللذان ظُلما بالتهميش غير أنهما أضافا عنصر الجذب المفقود بغيابهما .
يمتلك فيلم " الراكب " ميزة مثيرة في نصفه الأول ، مفقودة في نصفه الآخر ، أحداث سريعة ومكشوفة ، لا تلقي بالاً على أهمية تصديقها أم لا ( ومتى كانت المصداقية مطلباً في هكذا أفلام؟!) ، لكنه يشكل عودة منعشة للبطل المغوار " ليام نيسون" ، الذي نافس بعمره جيلاً أصغر سِناً وأقل حضوراً ، وبوعيده الدائم لمن يُعادي العائلة والأحباء أو المساس بهم من خلال عبارته الشهيرة : " عندما أجدك سوف أقتلك " ، التي شكلت عنصر جذبٍ عند جمهوره بصورته النمطية ، والتي تعودوا على رؤيته بها .
تحياتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.