الاثنين، 14 مايو 2018

مراجعة فيلم Revenge 2018


" ضحية أخرى للذكورة " ..

Revenge 2018 - إنتقام

•  إخراج : " كورالي فارغيت "
•  التصنيف :  أكشن - إثارة
•  حالة المراجعة  :   بدون حرق
•  الكاتب  : ليث التميمي
•  التقييم الشخصي★★★★




لا يقضي هذا الفيلم الكثير من الوقت حتى يصل إلى مرامي عنوانه  «إنتقام » ، لكن في الوقت الذي يتيحه لك بتكهن أحداثه خلال العشرة دقائق الأولى أو حتى الوصول إلى نهاية طريق ثأره ، فصدقني أنت مخطىء هذه المرَة . لأنه وببساطة يحجبنا عن إدراك خطواته المقبلة في الساعة ونصفٍ المُتبقيات . في تجربتها الأولى مع أفلام روائية طويلة ، بعد آخرين قصيرين ، تبدأ المخرجة الفرنسية " كورالي فارغيت " برحلة ترهيب ثقيلة على أطراف صحراء خاوية وموحشة عزلتها ، تسحبك على غبطة إلى عمل قاسي ومؤلم بقدر ما هو إمتثالي لفكرة خلاقة تكسر التنميط المهدد لتجربتها الأولى . ولأن المُخرجة هي إمرأة في الهوية والكيان فلا ضرر من أن تودع في مركز الصراع إمرأة أخرى تتلقف الضربات وتطيح بزمرة من الذئاب حولها . إنه أشبه بفيلم سابق إسمه « خليج الذئب » بشقيه الأول والثاني - إخراج " جريغ مكالين " - من حيث الكرَ والفر والقسوة والدم وتبديد مسافة المطاردة وتوسيع دائرة النزاع بين سفَاح مِجوال وسيَاح يقعون فريسته .  لكن ما يفصل العملين عن الترادف هو أن " فارغيت " في فيلمها هذا شجبت النزاع بين أطراف مُشتركة في لعبة : « قط وفأر» ، لا يخوضها الطرف المُعادي وحده بل الضحية أيضاً .

تلعب " ماتيلدا لوتز" - رأيناها سابقاً بآخر فيلم من سلسلة الرعب «الحلقة » - دور "جين " ، وهي فتاة جميلة ومغرية ذات قوام منحوت يُغرق الرجال في سراويلهم ، تذهب في رحلة مع رجل أعمال يُدعى " ريتشارد " في عطلة صيد مع صديقيه الآخرين " ستان " و " ديميتري " . تنتقل الأحداث وكما هي العادة من إرتفاع شبق الذكورة لدى الرجلين والمحصورين مع فتاة جميلة في وسط الصحراء ، فيذهب أحدهما ، ضمن تجاوزات أخلاقية ، إلى إغتصابها ، ظنَاً منه ، في تمايل جسدها أمامه طوال الوقت ، أنها تهدف إلى إغوائه على وجه الخصوص وسائحة في غرامه . لكن الواقع مُغاير ولا يدرك أن الفتاة تتصرف على سجيتها ! . بعدها تتوالى الأحداث وتقود إلى عملية إنتقام شرسة من قبل " جين " ويرد عليها المعادون الصاع صاعين ، فيتضخم النزاع بين الأطراف وينتهي إلى حمامات من الدم .



" مواهب طازجة لمخرجة طموحة "

ينجح هذا الفيلم في إستكمال مُتطلبات الإنتقام المنشودة ، في الرحلة لا بالوصول ، بإستغلال " فارغيت " عناصر مناخية في بيئة الصحراء الجافة وحضورها المكاني كشخصية فاعلة وغير متسامحة بين شخصيات جشعة هي الأخرى ، بحيث تتزامن العثرات شيئاً فشيئاً مع إنكشاف أغطيتهم وسقوط أقنعتهم بتحول الضعيف إلى قوي والقوي إلى ضعيف ، فتصبح راضحة لعامل واحد يُسمى : « الخوف من الآخر » وعدم تدارك أفعاله بعد حين . هنالك مشهد رائع يطارد به الرجال " جين " ، يشبه مطاردة الذئاب لفريستها ومحاصرتهم لها على سفح جبل . من جهة تستمد الحِكاية وقودها من رفع معدلات الإثارة وإعادة تلقيمها بخطط وتكتيكات جديدة يستثمرها خط السرد فتزيد من حدة الإشكال وتُضخمه ، إذا ما أخذنا بعين الإعتبار تجاهل مُغالطة منطقية (ضخمة) في بداية الفيلم والتي يبدأ من عندها حبكته . في هذه الحالة يُمكن أن تتخطى تلك النقطة لتفادي الوقوع بأسألة من نوع : «كيف يُعقل ذلك ؟!»، لأن صانعة العمل نفسها عوَضت ذلك الإستفهام بجواب واضح يُفضي إلى مفهوم « الأتموسفير » أو الأجواء المغلفة للتجربة بشكل عام ، من عناصر جمالية مصحوبة بشريط صوتي مفزع ومتشظَي مع مونتاج حاد يتوازى مع خطين لنفس الزمن ، أشرفت عليه المخرجة بنفسها ، يتفاعل مع سالفه داخل دوامة من عدم إحكام السيطرة على مخارج القرارات المتبدلة لدى الشخصيات والذي يفيض من توترنا أثناء المشاهدة ، ناهيك عن الجماليات الشكلية من ألوان طبيعية ومسافات شاسعة للصحراء تلتقطها عدسة " روبريشت ريفارت " والذي يأخذ بطريقه لون الدماء المجمَل والمنكَه بدوره روح الشاشة بصرياً . ثم ما إن إنتقلنا إلى عُنصر الألم ، وهو الأهم ، حتى وجدناه «ماديَاً » بحت و«بدنيَاً » أكثر من إعتباره «معنوياً » ، فتكمن جماليات ظهوره على خِلقة الممثلين عند الإستجابة بأسلوب يجعل المُشاهد على حافة المكان الذي يجلسه . " فارغيت " في تجربتها الأولى تستمتع كما يستمتع الجزار في تقطيع لحمه . فقد إستطاع فيلمها من أن يجعلني أضغط بقوة على أسناني ، طوال الوقت ، من شدة الألم الواصل إلى صُلبي . إنه فيلم دموي وقاسي ومأساوي إلى أبعد الحدود .



"هامش على ضوء الحِكاية"

يصطدم هذا الفيلم مع حقيقة أن بطلته " جين " تُصبح مطالبة في الخضوع إلى شهوانية من حولها لكن دون المساس بحريتها في الإغواء وصنع الإيحاءات الجنسية ، حتى لو تطلب الأمر بخلعها كامل قطع ملابسها العُلوية مع السفلية ، فلا يُسمح للرجال من مساس جسدها ، في هذه الحالة ،  إلا برضاها  . إنه منطق ملتوي ينتشر عند كثير من حملات ثورجية يقودها نساء ومثليين أو أقليات جنسية بصفة عامة ، وتضعهم ضمن مفارقات شديدة اللهجة . ذلك أنه في فيلم سابق ، فرنسي الأصل  أيضاً ، إسمه : «120 نبضة بالدقيقة » يتناول حكاية مطالبة مثليين شرذمة من حكومتهم الفرنسية بتوفير عقار مضاد لمرض «الإيدز» ، والذي أتى كنتيجة طبيعية من عملهم الفاحشة مع بعضهم البعض ومن أماكن محظورة دون أخذ أية إحتياطات ، لا الوقائية ولا الأخلاقية ، والغريب أنهم يستمرون في المطالبة دون أن يحجَموا من «فانتازيا» مُتعِهم ويستمرون في صناعة إباحية متجددة لمواضع أجسادهم وتبادلهم المستمر  للدماء والهرمونات مع أشخاصٍ جديدة كل ليلة . جميعها أتت على حِساب صحة أجسادهم بحيث تنتهي هذه الممارسات ، في أفضل الأحوال ، إلى رقودهم أموات . المنطق ذاته يركب على الحركة النسوية في « هوليود » اليوم عِندما تجمعت الحَمية لديهم على أبواب العِفة جراء تفشي حالات التحرش من قبل سُلطة رجال نافذين على نساء مُستضعفة ، دون النظر إلى ركن أساسي في القضية يفضي بتحجيم مظلة الأغواء الشائعة وتشاطح المرأة في إبراز مفاتنها وحرارة جسدها . وكل ذلك يأتي عقاباً للرجل «المُغوي» ومطالبينه بتهذيب حيوانيته المتأصلة فيُمسي صائماً عن شهوته ، حتى لو وصل الأمر إلى خلع الأنثى من أمامه غطاء جلدها ! . الرجل يبقى مذنباً في كل الأحوال ، من يتحرَش ويغتصب ويُفاجر ، ويستحق العقاب ، لا جدال هنا ولا خلاف أيضاً ، لكن المعالجة « الباروكية » في مثل هذه المواقف والتي تحمل نزعات إنتقامية وإنتقائية لا تصلح في تجفيف منابع الخطيئة أو تنقل قضاياها إلى خطاب عالمي وتوعوي شامل . وفيلم " إنتقام " ماهو إلا إستمرار لتلك المظلة ، لكنه يبقى بمنأى عن أي شبهة في حال عدم تناوله بجدية أكثر من اللازم . فتظل رسالة المخرجة راهنة أمامنا بأخلاقيتها ، لا بموضوعيتها ، وتنص على ضرورة دفع المرأة بإستمرار نحول القتال من أجل وحدة كيانية وإستقلالية عن أي خوف متجذر من الحيوان (الرجل) الذي يقابلها .وبعبارة تأتي في سياق الحدث ، يقولها  " ريتشارد " لـ " جين " بعد إغتصابها وقضاءهم أشواط متقدمة في عملية الإنتقام : أتظنين أنكِ ذكية بفعلتك هذه ؟ (يقصد الانتقام) ، كان عليك الرحيل دون قتال .. لكن النساء دائماً يحبون القتال " .


تحياتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.