The Equalizer 2 2018 - المعادل
• إخراج : أنطوان فوكوا
• التصنيف : أكشن - جريمة- إثارة
• حالة المراجعة : بدون حرق
• الكاتب : ليث التميمي
• التقييم الشخصي : ★★★ (جيد)عندما تحول المسلسل التفلزيوني «المعادل» - عُرض في منتصف الثمانينات من القرن المنصرم، وكان من بطولة الممثل البريطاني «مارك وودوورد» صاحب الـ 55 عام في الوقت آن ذاك - إلى عمل سينمائي من بطولة «دينزل واشنطون»؛ لم يكن ذلك التحول قائماً على استغلال تاريخ العمل الأصلي بمظلته الشعبية فحسب، بل كان تحولاً يستهدف الأساس ليعيد تقديم الشخصية بما يتناسب مع فكرة الانتقال بين الوسيطين: التلفزيوني والسينمائي، وما يُمكن أن يضفيه الوسيط الجديد، بعد أربعة عقود، من أساليب تعبيرية قادرة على أن تنعش شخصية «المعادل» بتفاصيل مشهدية ناضجة، وتحميه من فخي النسخ واللصق.
لكن ما يجدر ذكره هنا هو أن عملية التحول والانتقال تلك؛ لم تستبعد الخطوط الدرامية العريضة بالنسبة إلى ماضي الشخصية الرئيسية «روبيرت ماكال»: كرجل استخبارات متقاعد، يمتلك مهارات، ذهنية وجسدية، مرتفعة المستوى، ويناضل من أجل مساعدة المستضعفين من الناس وتحقيق العدالة فيما بينهم. لعله، بكل ذلك، يُكفّر عن ماضيه الوحشي الذي يحمل ذكريات أليمة إزاء الفاجعة الحاصلة من موت زوجته وما يتبعها من عَمله كجاسوس لصالح بلاده. بل أتت في سياق الضرورة الجمالية لاستنشاق بعض الألفة والحميمية للعمل التلفزيوني.
على عكس الفيلم؛ الذي نَقل الشخصية إلى مستويات أنضج على مستوى الكِتابة، بحيث أظهرته بمظهر الإنسان البسيط والمثقف، صاحب الموعظة الذي ينتمي إلى الطَبقة العاملة ويسعى لتقديمه يد العون إلى من هم حوله من البسطاء الذين على شاكلته.
والكِتابة في الأساس كانت تنشد الاستقلالية عن الأصل من حيث أنها كانت مبنية لتناول شخصية رجل يعيش في هذا العصر لكن بمواصفات عصرٍ آخر؛ عَصر لم يَفهم معنى التكنولوجيا ولا الموضة ولا التَرفيه الفوضوي ولا أغاني «الراب» السوقية. إنه بالفعل إنسانٌ زاهد بكل ما تحمله الكلمة من معنى، عطوف على الآخرين، غارق بين كُتبه وأفكار مؤلفيها. نواياه نبيلة، ولا يحمل ضغائن. ولا يمنعه التقائه بأعدائه من أن يعظهم ويمنحهم دروساً في الأخلاق والشرف والمروءة.
فـ«المعادل»، كشخصية سينمائية، تختلف أسباب ولادتها عن باقي الشخصيات البطولية التي عرفناها؛ التي تدور حول رهاناتها الشخصية ومصالحها المشتركة مع الغير، بحيث أنها «تناهض» تلك المفاهيم وتقدّم البطولة على طراز الحكايات الخيالية للأبطال الخارقين؛ من حيث سعيهم المستمر نحو تحقيق العَدالة بين الناس، وباعتبار أن القدرات التي وهبوا بها كانت لزاماً عليهم في أن يوظفوها في النصاب الصَحيح وأن تكون غايتها سامية ونبيلة وذات رِسالة أخلاقية.
باستثناء حقيقة أن العُمر بالنسبة إليها مجرد رقم، لا قيمة مادية له، والجسد ليس إلا هامش بالنسبة إلى حجم الدوافع التي تحملها وما يتخللها من نظرة إيجابية وشمولية في إصلاح هذا العالم. واختيارها موضوعاً للتناول والحديث، على مدار أربعة مواسم متتالية، ومن بعدها سلسلة أفلام سينمائية؛ كان جديراً بالمُتابعة والاهتمام، ولم ينعكس سلباً على تقبلها من قبل جمهورها إزاء ما تفتقره لأيٍّ صِفات «شكلانية» اعتادوا على رؤيتها عند باقي الأبطال؛ سواء في المظهر أو السلوك أو أسلوب الحَياة.
وبالأخذ بعين الاعتبار أن «روبيرت ماكال»، كرجل، بعدما وصل إلى مرحلة الكهولة من عمره، وقطع أشواطاً متقدمة في تكوين فلسفته الوجودية عن الحياة وما تبعها من سيل من المبادئ والأخلاق والصِفات الإنسانية التي انقرض وجودها منذ زمنٍ سحيق: كالحكمة والرحمة والنوايا الطيّبة. أضحى الآن يستثمرها لخِدمة الناس ونصرة المظلومين مِنهم، وينهض لحمايتهم وكأنهم رعيته وتحت حراسته. حتى وإن كان ما يفعله لا يعود عليه بالمردود المادي. فبالنسبة إليه، كلّما كان المردود معنوياً وروحانياً كان الأمر أسمى وأرقى، ويشبع حاجة ملحة في داخله ويحقق سكينته التي لطالما بحث، ولازال، يبحث عنها.
يحكي الفيلم قصة «روبيرت ماكال» (دينزل واشنطون)، الملقب بالـ«المعادل»،
بعد أن خرج من عباءة عزلته في الجزء السابق وقرر العودة إلى ميدان الإصلاح
وتقويم الأوضاع ورعاية شؤون ذويه ومن هم حوله. ليعود مجدداً، وها هو الآن قد
أمسى يقتسم يومه ما بين تقديمه يد العون إلى الناس والقصاص من المجرمين
الذين يداومون على أذيتهم، وبين عمله كسائق خاص بالأجرة. فيحدث ما لم يكن
في الحسبان؛ وقوع جريمة قتل لأحد الأصدقاء القدامى. فيذهب بعزمٍ وإصرار على تنفيذ
انتقامه من المسؤولين عنها.
المأخذ الوحيد على فيلم «المعادل 2 » هو أنه يعاني من اضمحلال لرؤية النص في بناء دراما متينة وتوليف مشاهد مهمة وذات عِناية بردم الفجوات الزمنية في تركيب أحداثه، والتي كانت نتيجة استسهال وتسرّع في تقديمها على حساب التأسيس لحبكة ذات شأن أو شخصيات ذات معنى، بحيث ينشغل في ثلثه الأول مع عِدة متتاليات من المشاهد داخل حَبكات فِرعية غير واضحة في المعالم، تستدعي «روبيرت ماكال » لتحقيقه القصاص من الأشرار من جغرافيات مختلفة في العالم. إلى أن يقودنا، بعد فترة من الزمن ، إلى حبكته الرئيسية التي لا تختلف عن ما سبقها كثيراً؛ باستثناء أنها وُضعت هذه المرّة أسفل مجهر «الإطالة» في الزمن دون النَظر إلى ضرورتها من عدمه. وبهذا لم يتمتع النص بالحيوية أو التجديد اللازمين، بل كان فاتراً وكسولاً.
في النهاية، يظل فيلم «المعادل» فيلماً جيداً لأن مخرجه رصين الرؤية لما يقتضيه العمل من شكليات ومضامين؛ فيقدّمها بأفضل حال وأجمل حُلّة. ويجمع بدوره ما بين المتعة البَصرية إزاء مشاهدة «دينزل واشنطون» وهو يقوم بضبط ساعته ويمنح أعداءه عدداً من اللكمات والرصاصات، وبين «روبيرت ماكال» الشخصية ذات «الكاريزما» التي تجبرك على احترام فلسفتها في الحياة وتعاملاتها مع البشر من حولها؛ من خلال متعة مشاهدتها وهي تمنح الحِكم والمواعظ التي تستند بإقتباساتها إلى أدباء وفلاسفة مشاهير، فتشير بدورها إلى ثقافة البطل الرفيعة، والتي تمنينا لو أنها وظفت داخل نَص؛ ذو جودة أفضل مما كان عليه هنا.
تحياتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.