Mile 22 2018
• إخراج : بيتر بيرغ
• التصنيف : أكشن - جريمة - مغامرة
• حالة المراجعة : بدون حرق
• الكاتب : ليث التميمي
• التقييم الشخصي : ½★★ (متوسط)ينتمي فيلم «22 ميلاً» إلى أفلام التوتر والوتيرة السريعة، التي تبدأ من حدث بسيط ومباشر، ومن ثم تتصاعد بفعل إيقاع منتظم حتى وصولها الذروة التي ينتهي عندها الفيلم زمن عرضه. بمعنى، أنها لا تحتوي على دراما مركبة ذات إيقاع متنوع في السرعةِ والتباطؤ الناتجان عن فصول متعددة في الأحداث والحبكات الفرعية. وإنما من خلال استغلالها لحبكة رئيسية تتصف بالبساطة الشديدة وتلعب على خيط رفيع منها. يشحن من خلالها الفيلم مواقفه، ويمنح سياقها بضعاً من الالتواءات والتحولات في المشاهد الصاخبة والحامية في الوطيس؛ فيحافظ على سيرورة الحدث وتدفقه إلى مدة فيلمية معقولة تعمل على استمرارية ضخ «الأدرينالين» بمعدلاته المرتفعة عند المتفرجين. وفي المقابل، يتفادى التعامل مع عناصره الحركية وكأنها مجرد إسقاطات وهمية - كحال اللاعبين في ألعاب الفيديو - تبعاً إلى التهميش النازل بشخصياته والتسطيح الغامر لأحداثه.
وهذا ليس بالأمر السيئ، إذا ما كان فيلماً ينشد الذروة في الأكشن والحركة ومدته الزمنية قصيرة جداً وإيقاعه سريع كذلك. والناظر إلى عنوان الفيلم، يمكنه استنتاج أنه ينتمي إلى أفلام الطريق ذات الوجهة الواحدة، والتي تشاء لها الأقدار، في العادة، أن تعلق بزحمة المطاردات واشتباكاتها العنيفة.
في هذه الأثناء نُطل بنظرةٍ فاحصة على طبيعة تِلك العمليات التي يتم تنفيذها على الأراضي الأجنبية – خارج الأراضي الأمريكية - والتي يتم متابعتها بجهود حثيثة من قبل وحدة عمليات وتخطيط عسكرية تُدعى «الأم» التي يترأسها العميل «بيشوب» (جون مالكوفيتش) وترتبط هذه المنشئة مع أقمار صِناعية وأجهزة مراقبة عالية المستوى والكفاءة. شبيهة بتكنولوجيا «عين الإله» التي ظهرت في أفلام سابقة، وتُعنى بمتابعة العمليات العسكرية على أرض الميدان بتفوق على المستوى البصري؛ من خلال تعرّفها على الوجوه ومراقبتها خطوط سير السيارات، بالإضافة إلى اخترقها الجدران ولوحات التحكم في السيارات والأبنية السكنية، ناهيك عن التكنولوجيا الحديثة التي تستخدمها الوحدة؛ من شرائح رقمية تُزرع داخل أجساد جنودها لمتابعة مستوى الإجهاد ومعدل خفقان القلب لديهم، بحيث تظهر على الشاشة بأرقام مئوية - كألعاب الفيديو التي تترجم مستوى الطاقة عند اللاعب إلى عدد صحيح في المئة - ومنها أيضاً ميكروفوناً داخلياً يربط صوت الجندي مع المسئول عن العملية في إعطاءه قرار التنفيذ من عدمه.
قليلة هي الأفلام التي تلتزم بالوحدة الزمنية التي يتطابق زمن عرضها مع زمن الحكاية. وهذا الفيلم، واحدٌ من القلة التي استثمرت خطوط سَردها من أجل الحفاظ على لُحمة زمنية واحدة؛ أي الفترة الفاصلة بين بداية الرحلة وانتهائها - إذا ما استثنينا المشهد التأسيسي الذي يبدأ في «أمريكا» على خلفية مداهمة لخلية إرهابية تقودها منظمة روسية. والذي سيرتبط خيطه - بعد 16 شهر - مع خيوط الحدث الرئيسي الذي يتبعه في الدولة الأخرى.
لكن في المقابل، يترهل النص من حيث عجزه على ربط المسبب مع النتيجة بصورة مقنعة وتنساب بسهولة قياساً لأحداثه، بحيث يقوم بتمييعها إزاء انشغاله بلقطات مبهمة ومنزوعة السياق تحدث في غمار الحدث الرئيسي؛ منها - لكي لا نحرق أيّة أحداث - العملية الروسية التي يقومون بها «جنرالات» من داخل طيارة نقل عسكرية لا نعلم ما إذا كانت تمتّ إلى أرض المطاردات في الدولة الآسيوية بصلة، سوى أن تفسيرها يؤجل إلى نهاية الفيلم، التي جاءت باقتضاب شديد، ومبهمة كذلك، نتيجة التواء رخيص يحدث آخر العملية بصورة مشوهة وغير متماسكة الأساس الكافي ليحملها، سوى إقحامها لرسم الصدمة على وجوه المتفرجين دون أن يلتقط الفيلم أنفاسه للبحث الحقيقي في الأسباب والدوافع.
فينتهي الفيلم ضائعاً، دون أن يُغلق جميع مخارجه داعياً لاستكمال أحداثه في جزءٍ لاحق. وبهذا يفقد الكثير من أساسيات التجربة المتوازنة الأركان؛ من حيث القص الجيد للأحداث واعتلاء المنطق سدنة المواقف.
الفيلم من إخراج «بيتر بيرغ» الذي سبق وأن حقق أعمالاً تتدرج مابين الجيد والمتوسط («المملكة» و«هانكوك»). ومشتركة مع النجم «مارك ويلبيرغ» في تعاونهم الرابع بعد ثلاثة أفلام جيدة المستوى(«سفينة حربية»، «المياه العميقة»، و«يوم الوطنيون»). جميعها تتحدث عن الكوارث بشقيها: الإنساني والطبيعي. ويتّصف غالبها بالبُعد السياسي - العسكري الذي يستند إلى وقائع حقيقية تتبلور فيما بعد إلى احتفاء وانتصار للرجل الأمريكي الشجاع في وجه البيروقراطية في شتى أشكالها. على عكس فيلمه هنا، الذي يستند إلى خَيال الكاتب باستثناء أن مسامعه تسترق الواقع بصورةٍ أو بأخرى، وينتهي بصورة مخزية تنتقص من فرص احتفاءه بتلك الصورة. وإذا ما استخلصنا الرسالة التي حاول المخرج إرساءها بين السطور خلال ومابعد أحداثه، فإن فيلمه ينضم إلى فيلم «سيكاريو: يوم الجندي» من حيث طرحه شرعية اللعب بقَذارة في مناخ ملتهب تعيشه الولايات المتحدة الأمريكية اليوم في عهد «دونالد ترامب» الذي يتّصف بالهياج السياسي وتفضيله عمل «الجنرالات» على عمل الساسة. وفتحه النيران على الجميع؛ في استهداف الحلفاء قبل الأعداء. إلا أن الفيلم لا يبرز ذلك على حساب الحدث الرئيسي هنا؛ تبعاً للذائقة الدرامية. وإنما كرسالة مبطنة تتخلله في لحظاتِ خاطفة، وتؤكده بعد انتهاءه.
إلا أن ما نتج عنه من إسراف في استخدام تلك الوسائل هي فوضى ترهق النظر في تتبع حركة الشاشة لتكشف ما يحدث داخلها، وتبتر من رؤية صاحب العمل في خلق تجربة متماسكة من حيث الشكل؛ الذي يُعدّ ركيزة أساسية في هذا النوع من الأفلام. مما أدى إلى ضياع فُرصٍ ثمينة كانت أمامه ليصنع فيلماً متميّزاً؛ يَنضم إلى مجموعة أفلام من جنس: «سيكاريو: يوم الجندي» و«المهمة المستحيلة - السقوط» اللذان يَشتركان مع «22 ميلاً» في القالب العام من حيث الجِدية عند الأول والمغامرة عند الآخر.
تحياتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.