الأحد، 8 يوليو 2018

لا جديد يُذكر ..مسحتَ المتعة من بعدك يا "ثانوس" ! - مراجعة فيلم Ant Man and the Wasp 2018






Ant Man and the Wasp 2018 - الرجل النملة والدبّور

•  إخراج : " بايتون رييد "
•  التصنيف :  أكشن- كوميدي - مغامرات - خيال علمي
•  حالة المراجعة  :   بدون حرق
•  الكاتب  : ليث التميمي
•  التقييم الشخصي½★★


يأتي «الرجل النملة والدبّور» في الحلقة رقم 20 من مسلسل عالم «مارفل» السينمائي الذي بدأ منتصف العقد الماضي وقام ببناءه «كيفن فييغ» الرئيس التنفيذي لاستديوهات « مارفل» استكمالاً لما أسسه الأب الروحي للقصص المصوّرة «مارتن غودمان » في ثلاثينيات القرن الماضي واستمر إلى يومنا هذا الذي لم يتخيّل للأخير أن يصِل إلى ما وصلته شخصياته الكرتونية التي صممها وأفلامها حديثاً التي أعيد كِتابتها في الهيمنة على إيرادات السينما العالمية. عشرُ سنوات ولازالت «مارفل» تُطبِق على أفواه المنافسين لها بعاملي التجديد والابتكار اللذان لاينفكّان حتى يستنفذان طاقة السوق الترفيهية، فهو الأمر الذي خلق سيطها وأتبعها بمدد العاشقين والمخلصين لإرثها الذي صنعته وساهم بدوره في تطوير القائمين عليها نحو خُطط متجددة تستوعب متطلبات ذلك السوق كلّ عام، فإذا ما أردنا تقسيم عمر السينما إلى فترات، فإن آخر عشرُ سنوات يُمكن اعتمادها كنقلة نوعية لمنتج البطل الخارق داخل عالم ممتد يؤازره أبطال آخرين في الهمّ ذاته.
   
إنّ ما يُميّز هذا العالم عن غيره هو النسيج المتنوع الذي يخلط جميع الأشكال من الأبطال بكافة أطوالهم وأحجامهم، فإذا ما كُنا نعتقد أن مَهمّة الرجل الخارق في السابق كانت تقتصر على إنقاذ الأرض فحسب، انقلبت المعادلة رأساً على عقب في العقد الأخير عِندما قامت «مارفل» بجعل تلك المَهمة محصورة في أفلامها الضخمة فقط، أي «المنتقمون»، و إذا ما عدنا إلى لغة الأرقام بعدد تلك الأفلام، نجد عندها أن أربعة أفلام من أصل 22 فيلماً آخرين تقتصر مهامهم على حيّزٍ محدود وأقرب إلى الرهانات الشخصية للبطل الخارق المنفرد بنفسه، لا تُشكّل فارقاً أمام ما تفرزه الأفلام المنفردة تمهيداً نحو استقبال الخطر الأعظم، فهذا ما جعل مِنها أعمالاً أكثر خصوصية وأكثر تأثيراً في الجمهور من سابقه، وهذا بالطبع ما يرجع إلى التأني والتدرّج الذي تسلكه تلك الاستوديوهات في رسم خُططها من أجل تحقيق رغبة الجمهور برؤية كلّ من الشخصيات تُبنى على حِدة وتسمح للتفاعل مع أبعادها بأريحية أكثر من السابق، بحيث عِندما تقوم بجمعهم مرة أخرى داخل فيلمٍ أضخم نستطيع حينها أن نعي ملامحه الفنية كاملةً، بدلاً من أن التخمة التي تُصيبنا أثناء مشاهدة هذا الكم الهائل من الشخصيات والأحداث، فهذا الحُلم الذي نجحت بتحقيقه في الوقت الذي فشلت «دي سي» بإنجازه، عِندما تعثّرت في نقل شخصياتها المرسومة والمدفونة داخل أغلفة قصصها المصوّرة إلى صورة حيّة بارزة أمامنا على الشاشة العريضة.



«الرجل النملة» أحد نتاجات سلسلة التَطوّر الكبيرة التي قامت بها هذه الشركة، فكان من بين الأبطال الذين انشقّوا عن «فورمة» البطل الخارق النمطية والتي عهِدناها سابقاً في توقها إلى إنقاذ العالم لدواعي أفلاطونية مثالية نحو اصلاحه، بل على العكس تماماً، هي شخصيات أبطالها واقعيين متصالحين مع ذواتهم، وتواقين إلى العيش كما يعيش باقي البشر مِثلَهم، بين سعيهم نحو تحقيق الطموحات في الحياة واغتنام فُرَصها من أجل تأمين حياتهم وحياة عائلاتهم. يرجع هذا كله بالأصل إلى ذكاء تصميم شخصية « الرجل النملة» في الهامش الصغير والحيّز الضيّق أمام هذا العالم الكبير الذي تناطه الوُحوش الفتّاكة والأشرار الشرسين، أمثال «ثانوس» وغيره، الذين لا يَقدِر على تجاوزهم أعتى الأبطال الذين نعرفهم، ناهيك عن تناغم ما تفرزه الشخصية من خصائص فكاهية وحميمية وما يضفيه الممثل «بول رود» الذي يقودها من تِلقائية وباع كبير له في سينما الكوميدي والدراما العائلية، وهو قِران لطيف استطاع أن يُنجب «كاريزما» غير مسبوقة أمام المُتفرّجين أيّام الجزء الأول،عندما صدر قبل ثلاثة أعوام وحقق نجاحاً مدوياً لمجرد فكرته التي أعيد إنعاشها كإضافة نوعية إلى هذا النسيج المتنوع من الأبطال.

هذا العام شهِد عودة بطل آخر اسمه «ديدبول» الذي يُشارك «الرجل النملة» الفكاهة والهزل كمرجع اساسي في تصميم كلّ منهما . القصة عِند الفيلمين لم تكُن من أولويات صُناعِها، وبالعودة الى أجزاء كلّ منهما الأولى نجدها أكثر تواضعاً مماهي عليه الآن، ومحصورة بين حائطي؛ الترفيه الحاصل إزاء الجمع بين الكوميديا مع الأكشن، والمحور الذي تدور فيه القِصة الرئيسية وتمتد في اتجاه واحد لا ينشغل كثيراً في إعطاءها أبعاداً مختلفة أو طبقات متنوعة . لكن في العودة إلى الأجزاء التالية هذه السنة نجد أن قصص كلٍّ منهما كانت تتطلب التشعب والتضخّم كمتطلب إجباري يضيف بعض الشرعية لإعادة تقديم هذه الشخصيات من جديد. إلا أن هذا التشعّب لم يسعف الفيلمين نحو تقديم تجارب منعشة على صعيد البِناء والتطوير في كلٌّ من شخصية «ديدبول» و« الرجل النملة»، بل زادهما تُخمة وافتعال لا داعي من حُدوثهما. لكن في المُقابل، ولأن «مارفل» تحفظ خط الرجعة مع جمهورها، ولا تُخاطر بإفساد متعته، فإن التكثيف الذي خلقته من إضافة الكثير من التوابل الكوميدية والدموية في الحركة و الأكشن ساهمت في إنجاح فيلم «ديدبول» وإنفاذه أمام الجمهور دون النظر إلى ما يُحيطه من عيوب. على عكس فيلم «الرجل النملة والدبّور» الذي لم يُسعفه ذلك كلّه أمام افتقاده لقوة العناصره الروائية وتقليص في شخصية «الرجل النملة» وجمودها أمام متغيرات هذا العالم السينمائي الذي أصبح فيه الأبطال الذين كُنّا ننظر لهم بزاوية واحدة بِتنا الآن ننظر لهم بزوايا متعددة، والقول ينطبق على شخصيات مثل : آيرون مان، كابتن أمريكا، ثور..الخ، بعد أجزاء كلٍّ منهم الثلاثة. ليس لأن «الرجل النملة والدبّور» فيلم سيء، هناك الكثيرون سوف يُعجبهم هذا الفيلم، وهذا ما لا شك فيه، لكنه يُصيبك بشعور من الفراغ بعد أن تفرغ من مشاهدته إزاء تسطيحه لمعالم الشخصيات وأحداثه الهامشية التي لم تُغذّيها الكوميديا أو الحركة الكافية لجعلها تعلق معك وأنت خارج منه، بحيث تخرج ولا تشعر بالرغبة في تذكّر شيء. مشاهده منسية إلى حدٍ ما.



تدور قصة «الرجل النملة والدبّور» في الفترة الزمنية اللاحقة لأحداث الحرب الأهلية التي حصلت بين فريقيّ «آيرون مان» و «كابتن أمريكا» في ألمانيا بعد انشقاق الأخيرعن الحكومة ومنظمة «المنتقمون»، وقبل هجوم «ثانوس» على الأرض في أحداث فيلم «المنتقمون: الحرب اللانهائية« الأخير، بعد قيام المباحث الفيدرالية بفرض الاقامة الجبرية على «سكوت لانغ» (بول رود) إثر مشاركته «كابتن أمريكا» تلك المهمة الغير قانونية والتي جعلت من الأخير محظوراً من قبل بلاده، فقامت بفرض تلك العقوبة ليقضيها داخل منزله ولمدة 3 سنوات. في هذه الأوقات يسعى الدكتور «هانك بام» (مايكل دوغلاس) مع ابنته «هوب بام» ( إيفانجلين ليلي) في استعادة والدتها «جانيت بام» (ميشيل فايفر) التي لازالت عالقة في البُعد الكمّي عن طريق بوابة تفتح على جسر عبور بين العالمين، فيطلبان مُساعدة «سكوت» (الرجل النملة)، وخصوصاً بأن سبق له وأن ذهب إلى هناك في أحداث الجزء الأول.



أكثر اللحظات إمتاعاً تلك التي يبدأ عِندها الفيلم حركته في المطاردات والاشتباكات التي لا تقف عِند التحوّل إلى الحجم الأصغر عند كلا البطلين، بل أن كل موقف كان له فلسفة خاصة من حيث الحركة والحجم اللذان يتأرجحان من خلاله؛ صحيح أننا رأينا ذلك كله في أحداث الفيلم الأول، لكن هنا، كانت مساحة اشتغاله أوسع وقادرة على توظيف أفكار أنضج؛ أوقات يصبح فيها «سكوت» بحجم حوت البحر وآخر بحجم جراد السماء، شيء ينفذ من خُرم الباب وآخر يتدحرج على حافة سكين، تتحول الأبنية الضخمة إلى لعبة متحركة، والعكس كذلك؛ سيارة لعب صغيرة تتحول إلى سيارة كبيرة تعمل على الوقود !!!، هنالك مشهد فُكاهي يتحول فيه «سكوت» إلى حجم فتى بالابتدائية شبيه بذلك المشهد في منتصف «ديدبول» عِندما تنمو قدماه من جديد بعد قطعهما؛ مشهد مذهل وفُكاهي جداً . يعود بفضله على قدرة المخرج «بايتون رييد» في جمع شتات فيلمه مابين الكوميدي والخيال والحركة مستنداً إلى خِبرته الطويلة مع أفلام ومسلسلات الدراما الكوميدية الخفيفة التي اشتغل عليها بقوالب بسيطة تجمع طيش المراهقة وبداية النضج في مرحلة منتصف العُمر، وهذا يتضح من خلال العلاقة التي تجمع «سكوت» مع حبيبته «هوب» بمشاركة الأب « الدكتور هانك بام»، بعلاقة ديناميكية سلسة وتلقائية، ناهيك عن العامل الابرز في الممثل (مايكل بينا) في شخصية «لويس» صديق وشريك «سكوت» في عمله، الذي سرق الأضواء من الجميع بخفة ظله وروحه المرِحة، مما يُؤكد على رجاحة اختيار المخرج المناسب في الفيلم المناسب، والذي استطاع من خلاله أن يُكسب الفيلم جزء غفير من خِبراته ويُضيف عليها في جعل كل ما يقع بيده من أدوات فنية؛ من ممثلين إلى طواقم تقنية وتكوينات بصرية لذيذة ومنعشة، مادة يستثمرها في المتعة والترفيه .


سيناريو الفيلم الذي قام بكِتابته خمسةُ كتّاب كان من بينهم «بول رود» نفسه، قائم على عملية إنقاذ «جانيت بام» من البُعد الكمي العالقة فيه، إلا أن الخُطة كالعادة لا تسير في اتجاه واحد بل تتعرض إلى تداخلات من جِهتين مختلفتين تُريدان الاستحواذ على ذلك المُختبر الذي فيه البوابة العابرة إلى العالم الكمي؛ واحدٌ من قِبل «سوني بيرش» (والتون غوجينز) الذي يعمل تاجراً في المعدات التكنولوجية في السوق السوداء، الذي يتفق مع الدكتور «هانك بام» وابنته على أن يبيعهم جِهاز يعمل على تحفيز فتح البوابة ويُدعى «المُكوّن» - الذي لا ندري ماهيته حتى الآن ! - فيعرضّ «سوني بيرش» على الدكتور «هانك» مشاركته أعماله من أجل تحقيق الأرباح المادية المشتركة وبطريقه يكتشف سرّ ذلك المختبر، إلا أن الأخير يرفض ذلك العرض قطعياً، مما يقود بدوره إلى استنفار «سوني» وقيامه بعمليات مطاردات سعياً منه نحو الاستحواذ على ذلك المُختبر عنوةً، وفي الوقت الذي يتقاتل فيه الاثنان على المختبر لا يعود هنالك اهتمام في «المُكوّن» أو تبيان أهميّته كما كان عليه سابقاً، مما يقودك إلى استفهام تعجبيّ : ما إذا كان له حاجة، إن لم يتم استخدامه طوال الفيلم ؟!، وفي الوقت ذاته، نسأل عن الحاجة الملحة نحو إقحام وسيط يقوم بتوفير أدوات تكنولوجية بسيطة مثل «المُكوّن» لمُختبر ضخم تم إعداده بتقنيات ومعدّات لا تستحملها قدرة السوق السوداء أو تسمح به الحكومة في المرور من خلالها؟!، فما هذا «المكوّن» الذي عجِز عنه الدكتور «هانك» بكامل قدرته على توفير تلك المعدات الضخمة وجعلته يلجأ إلى تاجر يعمل بنظام العصابات؟!، لا أجوبة منطقية يوفرها الفيلم. مما يقودك إلى حتمية القرار بحقيقة أن إقحام هذه الشخصية في هذا الموقف وهذا الزمن،دون دواعي درامية، يبرهن على مدى قصور كُتّابه الخمسة في خلق صِراع حقيقي يُحرّك الماء الراكدة في حبكة هذا العمل .



هذا ويقودنا إلى الجِهة الأخرى من صِراع الأبطال أمام تيار الشد العكسي والمتمثل بالشخصية «غوست» التي كانت ضحية تكنولوجيا الكم، وقادت إلى وفاة أبويها وقامت بتشويه بُنيتها الجينية؛ بحيث أضحت تستنزف طاقة جسدها وتعمل على تحلله بسرعة إذا ما لم توفّر مصدر الطاقة الموجود في المختبر، والذي يُبقيها على قيد الحياة ويُبقي خلاياها مُتماسكة. لكن على الرغم من الوضوح الذي تقدم به النص خطوة إلى الأمام إزاء تقديم هذه الشخصية، بالكاد نعي ملامحها، يتراجع من منواله خطوات إلى الوراء في حصر حضورها بإطار من السذاجة وعدم الإقناع وتحديداً بأن حضورها يكتنز داخل البذّة التي ترتديها وانفعالاتها مفتعلة وغير حقيقية، مما يحول بينه وبين التعاطي معها بجدية أكثر إزاء معالمها المُسطّحة وعواطفها الباردة، التي لا تحفّز تعاطفك معها ولا حتى اهتمامك بها، سوى وجودها كإضافة إلى سلسة العوائق المفروضة أمام الفيلم، والتي كان من الأفضل تجنّبها كي لا توقعه في مصيدة الاستسهال التي وقف عليها صناعه في نهاية المطاف ليقنعوك بضرورة عمل جزء جديد من هذه الحكاية . لكن في المقابل، وإذا ما أردنا النظر إلى النِصف الممتلىء من الكأس، فإن هذه التوليفة الكاملة من عمل مُبسّط كهذا كان عملاً ضرورياً على صُنّاعه تمريره عنوة أسفل اعتبارات النقد والنقاد؛ بيد أن الجمهور العريض لا يبتعد كثيراً عن خروجه من زخم «المنتقمون: الحرب اللانهائية» وثِقل الخطر القادم من قبل «ثانوس»، بحيث بات الآن بحاجة إلى عمل خفيف الظل يروّح عنه الخوض بتحدي جديد لا طائل من لحاقه، وبالنظر إلى أن هذا الطور من عالم الأبطال الخارقين قد شارف على الانتهاء فعلاً، فننتهي بواقع أن لا حاجة ملحة نحو تقديم تعقيدات إضافية وأشرار جُدد لا يسمنوا ولا يُغنوا من جوع.


تحياتي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.