السبت، 12 مايو 2018

مراجعة فيلم Terminal 2018


" لعبة الرابط العجيب " ..

Terminal  2018 المحطة

•  إخراج : " فون شتاين "
•  التصنيف :  جريمة - دراما- إثارة
•  حالة المراجعة  :   بدون حرق
•  الكاتب  : ليث التميمي
•  التقييم الشخصي :  ½★



كثيرة هي الأفلام التي إستنسخت أعمال سينمائية مثل « بالب فاكشن 1994 » و « يوجوال ساسبيكت 1995 » وحاولت تقليدها بشتى الطرق والوسائل ، على أمل عبورها مضمار الاعجاب ذاته . لكن ما لا يفهمه المقلدون أن الشكليات لا تنتصر على المضامين إن لم تؤدي من داخلها إلى أنماط شكلية تحمل دلالاتٍ قوية وتعزز من وحدة البناء الكُلَية ، كما في « بالب فاكشن » لـ " كواينتين تارانتينو " عِندما أصرَ على التمسك بشكليته لكن بوساطة إستثمار صلب للشرذمة في سلوكيات شخصياته وشبكاتهم المتداخلة ، فاستطاع الأخير من صياغة تلك الزركشات الضمنية داخل سطحية الأشياء وعبثيتها ومن ثم قام بإنفاذها على مسطَح الشاشة دون إشتغالات كثيرة تبتر من روح التجربة . ثم إن ما يثير القريحة أكثر جراء مشاهدة أفلام اليوم هو ظاهرة « العشرة دقائق الأخيرة » والتي إنشترت كالنار في الهشيم بين صُناع سينما الجريمة في تقديم الوجبة الدسمة آخر السهرة ، ليس أولها ولا مُنتصفها ولا حتى ثلثها الأخير ، فتصدم المشاهد وكأنها تدهسه ومن ثم تمحي آنف ما لقي وإختبر طوال فترة خداعه في المٌقبلات . وهنا لا نتحدث عن أنماط تماهي دفع التراكمات الحقيقية والناتجة عن معضلات جادة نحو نهايات أسطورية مثل « سبعة  1995 » لـ " ديفيد فينشر " ، بل بتلك التي تُلقي كُتيَبات صغيرة بعد المشاهدة تعتذر عن الفوضى التي لا تمت إلى روح النهاية بصلة .

وعلى خُطى سينما الجريمة في التسعينات وبداية الألفية الجديدة والمستقاة من سينما النوار من حيث العناصر الكمالية مثل : إمرآة لعوب ، رجل ذو ماضي أسود ، وبيئة فاسدة ، يضخ فيلم «المحطة » أحداثه بتتبع المرتزقة " آني " ذات اللمسة الشيطانية في كل موطىء قدم تعبره وباقي أفراد العصابة اللذين يعملون تحت إمرة رئيس منظمة إجرامية غامضة يدعى "فرانكلين " ، فتوكل مهمة كلٍَ منهم بقتل منافسه من أجل الحصول على وظيفة المرتزق المثالي ، فتدور الأحداث من منوال مغرق بالكوادر الظلامية ، من غرف فنادق خافتة إضاءتها وسراديب محطات نقل مهجورة وشوارع خالية الوفاض من أي جنس بشري طبيعيي ، تقتصر على شخصيات متلونة وظلامية وموحشة دواخلها والتي تعيش حياةً مزدوجة ولعوب جراء الانحطاط الاخلاقي والمستشري لجغرافيتها .


 يٌعطي الفيلم إنطباعاً عن مخرجه بأنه ينشغل كثيراً في إجراءات شكلية مُطوَلة تغطي على فراغ السيناريو داخله ، وهي حالة تُمكِنك من إدراك منطقه في العشرة دقائق الأولى : كثرة حوارات ، كثرة شتائم ، وكثرة إيحاءات جنسية . حيث لا ضرر وقتها من حملك الورقة والقلم وتبدأ في تدوين مُلاحظاتك وتقييماتك وتفرز قوائم الإيجابيات والسلبيات دون إنتظار نهاية الفيلم . وهي حالة شاذة لا تترك مجالاً من أن يتشرَب الذهن لأفكاره المتلقاة حديثاً ، لكن الفيلم السوقي يُجبر متلقيه أن يجاروا سوقيته . الأمر أيضاً أقرب إلى حضورك ورشة تدريبية لصِناعة الأفلام ، تعرض أمامك الفروض المنزلية لرجل يظفر بتجربته الأولى كمُخرج وكاتب وينتقل بين فضاءات واسعة أكبر من قدراته ، الحالية ، ويشطح بإستطراده لحكاية يُمكن أن تُلخص بكلمة وأنصاف الكلمة .

عند مُشاهدة فيلم « المحطة » سواء على شاشة صغيرة كانت أم عريضة أول ما يجذبك بطبيعة الحال هو تدافع الألوان وتمازجها البصري ، في حال كانت شكلية تُشبه مهرجان الأصباغ الهندي ، أم عضوية عندما تخترق جدار شخوصه وهالاتهم ، حينها ستجد ، وعلى نطاق واسع ، أن الفرشاة اللونية هي نفسها من رسمت الشكل والعضو وجمعت الشيء مع اللاشيء في نقطة لا تحادي النظيرين بل تقف خارجهما ،  عبَرت بدورها عن ذائقة صانع العمل بوقوفه حائراً بعد إنتهاءه من تدمير لوحته ! ، جراء تخطيه حاجز المعقول ( القدرات ) وذهابه نحو جرأة أسلوبية على أثر سابقيه من كِبار المخرجين ، وهذا يتضح عندما يحمَضنا طوال فترة عرض الفيلم على أساس ( مبهم ) ويهرب إلى أساس آخر بنتيجة تكثف الحدث من جديد بدلاً من أن تفككه وتبين مواطن معالجته ، وكأننا نلج داخل فيلم آخر يشرح سابقه .  وهنا نتحدث بصفة خاصة عن مُخرج مع تجربته الأولى في الاخراج والكِتابة ، ويتعاطى مع أسماء ليست بالهيَنة ، مثل " مارغوت روبي " ، " سيمون بيغ " والعائد من سباته " مايك مايرز " ( صاحب سلسلة « أوستن بوار » ) .

الفيلم أشبه بلعبة قديمة تٌدعى : « الرابط العجيب » ، والتي تعمل على تكوين مقاربة منطقية بين أنماط تختلف مصادرها لكن تطبيقها يقع ضمن مجال مشترك ، جامعة بدورها ذكاء الطرح وقيمة الربط الجوهرية . أما في حالة « المحطة » الرابط والنمط لا يلتقيان حتى في الأحلام  ! ، حاول " فون " من أن لا يلتزم بحدود عقلانية وإنطلق نحو محتوى مضجر من الخطوط المتقطعة وشبكات العلاقات المٌعقدة ، لعل وعسى أن نعي أهدافها أو حتى دوافعها ! . لكن في الحالتين لم يسر كل شيء في التقارب أو حتى التوازي وإنما في التنافر والتشاطح ، مما قاد إلى ضعف أكبر يلجأ إلى حله كثيرٍ من الكُتاب ، كالمدد الإلهي والحلول المُلقاة بالباراشوت من السماء ، ليوَرط الرجل نفسه ويُوَرط العاملين معه . فلا يخدمه سرد من لملمة مواضيعه ولا تنفيذ من إبراز مواهب طازجة ، وتفضى النتيجة بحتمية إلى إخضاع نفسه وإخضاعنا داخل لعبة يراها ذكية ، لكنها لا تخرج عن أحلام يقظته . " فون شتاين " الذي عمل سابقاً مُساعداً ثانياُ وثالثاُ لمُساعدي مخرجين آخرين ! ، ينفصل عن باقي أقرانه بعد أن حقق معهم أفلاماً ذات قيمة ( إلى حد ما ) ، لكن في إنفصاله هذا يتعثر ثم يتدهور .




في الوقت الذي تستعد به " مارغوت روبي " لتأدية دورها القادم في فيلم مقتبس عن حياة " هارلي كوين " الخارجة من مغلفات القصص المصورة والتي جذبت أنظارنا في فيلم سابق إسمه « فرقة إنتحارية » ، نجد أن فيلمها « المحطة » هو توفير للجهد والوقت الضائعان في إستنزاف تلك الموهبة بأدوار مشابهة تعزز من الركود الكامن في إستسلامه لحضور واحد على الشاشة ، ويقود في نهاية الأمر إلى خنوع لسلطة تلك الأدوار والمُهددة لطاقات تمثيلية مشابهة . قد يكون دور " هارلي كوين " ذو فائدة آنية في حياة " مارغوت روبي " لكن لا أن ينتقل إلى مراحل متقدمة يستهلكها في جميع الأوقات وخصوصاً أن روح " هارلي كوين " تعيش داخلها في الآونة الأخيرة ، فهو الدور الذي بزغ من نجمها وليست أدوار أخرى ! ، ونخشى في هذه الحالة من أن يستمر الوضع في سُكنى تلك الروح إلى فيلمين آخرين . فنستغرب من ممثلة لا يفصلنا الكثير عن ترشيحها الأخير لجائزة الأوسكار أن تدخل أرضاً لا تنتمي لها ، بحيث لا ندري أهي حقاً قرأت سيناريو هذا الفيلم أم إكتفت بقراءة حسابها البنكي ؟! .


تحياتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.