الجمعة، 11 مايو 2018

مراجعة فيلم Game Night 2018

" ضحك حتى الفتاق ! " ..

Game Night 2018 - ليلة اللعب

•  إخراج : " جون ديلاي " & " جوناثان غولديستان "
•  التصنيف :  جريمة - مغامرة - غموض
•  حالة المراجعة  :   بدون حرق
•  الكاتب  : ليث التميمي
•  التقييم الشخصي :  ★★★★




ماهي إلا دقائق معدودة على بداية هذا الفيلم حتى ينزلق المُشاهد على قفاه من شدة الضحك ، صاحباً معه نوبة من الهيستيريا ومتلازمه من الفكاهة تستشريه طوال مُدة عرضه ، من منوال خالص في الكوميديا والهزل الحاقنان بدورهما أجواء الفيلم عامة . كيف لا ، وهو من بُطولة عَلم إسمه " جيسون بايتمان " ، الذي يكفي وُقوفه صامداً رأسه ، متصلباً جفنه ، رافعاً حاجبيه ، وماثلاً أمام غباءه وغباء من يشاركونه خصائص العتهِ ذاتها ، ويتناوبون بحلقاتهم الكوميدية داخل أجواء مشحونة بالعشوائية والسذاجة المُفرطة في إستقبالهم للمواقف ، المفترض بأنها جادة ، بصدر شرِح وسخرية حد الإشباع وتهكم هزلي ناضح من بئر التخلف نفسه . فعلى الرغم من إستحلاء " بايتمان " مُمارسة تلك الأدوار المُعتادة والذي صادق بدوره على رؤيتنا له من خلالها ، إلا أنه وبكلَ وضعية ينبثق بها من حدقة الشاشة ويظهر بصورته المحفورة في مُخيلتنا جراء أفلامه السابقة ، إلا أنه يستطيع في نهاية المطاف من أن يُنسينا ماسلف ويُشغلنا بما أقبل نحو إستقبال المزيد فالمزيد من جرعات كوميداه المنفردة والتي أصبحت ، مع إنقضاء فترة التعويد ، علامة مطبوعة على جبينه وتستقطب ما يُنتجه من بلاهة وسخافة بحيوية كامنة وتهليلات مرتفعة .

يفتتح الفيلم مهرجان ضحكاته بتعريفنا المباشر ، دون مقدمات ، على " ماكس " ( جيسون بايتمان ) و " آني " ( رايتشيل مكادامز) ، وهما زوجان يُديران بشكلٍ دوري ليالٍ يقضونها في اللعب مع الاصدقاء داخل تحديات مُتنوعة من " أحجيات " إلى "ألعاب تقليدية " ، تُثري التحدي فيما بينهم وترفع من مستوى المُتعة لديهم . نتعرف من بعدها على " بروكس " ( كايل شاندلير ) أخو " ماكس " والذي يمتلك ماضي معه ، يأخذ منحى المُنافسة الأخوية ، يفضي بتفوق أحدهم على الآخر أو كما يظن أحدهما ، على الأقل ، فتنطلق الأحداث من نقطة برزت بها عجرفة " بروكس " في إقتراحه الجريء بالرفع من وتيرة اللعبة وتحميتها بالوطيس الأكبر ونقلها إلى مُستوى أعلى وأعقد بواسطة عملية إختطاف لأحد اللاعبين والإنفصراف نحو البحث عنه وحل اللغز الذي يقود إليه . بعد حين ، ينقلب السحر على الساحر ، وتتحول اللعبة إلى عملية إختطاف حقيقية ، تكشف أسرار وخفايا الشخصيات بين بعضهم البعض ، وتقعد مابين كرٍ وفر ولغزٍ وسر ، تنجلي من أجلها الحِكاية إلى عثرات ومصائر على المحك ، وأحداث لا على البال ولا على الحسبان ، وتضع جميع المُشاركين في تلك اللعبة داخل أحجية حقيقية ، يسابقون الزمن من خلالها في سبيل حلها وتدارك عواقبها .



جهود الفيلم الفعلية هذه المرة تتوزع بين كتابة : " مارك ريبيز " ، وإخراج : " جون ديلاي " & " جوناثان غولديستان " ، مُجتمعة فيما بينها بترتيلة واحدة ، إستطاعوا بواسطتها أن يخلقوا إيقاعاً فيلمياً مُتسارعاً ، يُلقيك على وجهك في جوف الحدث ويخلط مُكوناته الشكلية بسرعة قياسية ، من "كوميديا" و "سرعة" و"أكشن" إلى "جريمة" و"هرجٍ" و"جد" ، ناهيك عن تطاوله ( بعفوية ) على أعمال أخرى وأسماء كُبرى في الوسط ،العامل الأبرز في الفيلم، وخلط الحابل بالنابل في دوامة من التخطيطات المُتصدعة والناتجة عن شخصيات مُتصدعة هي الأخرى ، ومسطحة عملياً ونظرياً . لكن تسطيحها هُنا هو ما يخدم الرواية ويعطيها طعماً خاصاً بها ، وبالتحديد عِندما تنقسم البطولة الرئيسية والمُساعدة والكومبارس بقِسمة عادلة يؤدون من خلالها وظيفة واحدة ، لكن هذه المرة بإحترام المُسمى الوظيفي لكلٍ منها ، دون تتفيه وتسفيه الواحدة على حِساب الأخرى أو خروج أحدهم عن السياق بغية تحقيق قفزات درامية لا ضرورة لها ، كما هي أغلب أفلام الكوميديا في أيامنا هذه . لذا ، يعود الفضل الأضخم إلى توزيع الفيلم جهوده بين كتيبة مُمثليه ، عن طريق إفساحه المجال لخصوصية كلٍ منهم في الانجلاء وفرض الإنطباع ، فراداً فراداً ، على الشاشة دون تزاحم ، وإقناع المتفرجين بوحدة كيانية لكلٍ منهم ، عن طريق إقناع أنفسهم ومن ثم إقناعنها بأن اللبن أسود وطعمه حار ويستخدم في المكياج ! ، ففي هذه الحالة لا يسعنى القول سوى أنه نجح في مسعاه ذاك . لكن بطبيعة الحال ودون تحميلات تسحب إيقاع رتيب للفيلم ، يُمكن القول بأن الأبطال المحوريين " بايتمان " و " مكادامز " يسحبان طول نظرك إلى كيميائيتهم المُشتركة والفعالة ، ليس في النطاق الكوميدي وحده ; وإنما في الحميمية بينهم كزوجين وأبلهين وطفلين بالغين في الوقت ذاته .

كل ذلك وأكثر يُمكن إحالته إلى إعتماد صُناع العمل على تغذية أحداثه بدماء أفلام سابقة وإستعارة مُسميات فنية بارزة ، إبتداءً من أفلام عبثية كالأبطال الخارقين وشخصياتهم وإنتهاءً بأفلام النُخبة وقاماتهم ، بالاضافة إلى توظيفه الكوميديا السوداء في نقد مبطَن ، لا يٌصرَح كثيراً ولا ينشد رسالة مباشرة ، على خلفية قضايا وسلوكيات وأنماط حياتية ومجتمعية وسياسية تعيشها البلاد ويقلبها رأساً على عقب على " نافوخ " المُشاهد بلسعة كوميدية ساخرة . جميعها مزايا زادت من تفاعل الأخير مع شاشته في إسترجاع متواصل لكم الأسماء والأحداث والصور المُلتقطة والمدفونة في جوف ذاكرته ، ويشترك بدوره في حل خيوط اللعبة مع الشخصيات وإبقاء نفسه مشغولاً ولاحماً ذِهنه مع مُعطيات الفيلم جراء كم الأفكار التي يطرحها ويجد المُشاهد نفسه مستسلماً إلى كل مايستطيع إدراكه ويلقاه مألوفاً .



إنه ليس بفيلمٍ كامل ، لكنه يدرك جيداً فوائد إستثمار كمالياته البسيطة ، على عكس أفلام ، لن نقول موازية ، كانت تعتمد توليفة واحدة في إلقاء نِكاتها ولهوها المستمر وعبثيتها المنفَرة حد العفن ، والتي ترتكز على قواعد راسخة في رمي الشتائم المتناثرة والتي يقبع أكثرها إحتراماً : من الزِنَار وتحت ! ، وتنسى الهالة القَبلية والتي تسبق خروج القمامة من الأفواه بواسطة وضع سلة مهملات أنيقة تُجمَل المنظر العام وتستحمل كمَ القذارة المتدفق من تيار الشتائم ، الذي أصبح مصدراً موثوقاً يغذي سينما الكوميدي اليوم . لذلك لن يرى الفيلم المنشود ضوء نهاره إلا إذا إحتوى على تلك النوعية المتدنية من الهزل والفشل . لكن «ليلة اللعب» هو مثال صارخ على صندوق القمامة الأنيق ، والذي يعي تماماً مايحويه وكيفما يستصيغه بإقتدار دون رخص ولا إستسهال ، فيجمَله بالأسلوبية التي تمنح كوميدياه وزناً ووقعة على مُتفرجيه عن طريق عرض تجربة إستثنائية ، لن نقول الأفضل ، لا نجدها كثيراً بين قمامة الانتاج النظيرة كل عام .


تحياتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.