الأربعاء، 16 مايو 2018

مراجعة فيلم Black Panther 2018


" سلمية عالمية ينشدها رجل أسود "
..

Black Panther 2018 - النمر الأسود

•  إخراج : " رايان كوغلر "
•  التصنيف :  أكشن - إثارة - مغامرات
•  حالة المراجعة  :   بدون حرق
•  الكاتب  : ليث التميمي
•  التقييم الشخصي★★★★


بعد وصوله الأسبوع الثالث عشر في سباق البوكس أوفيس ، يُحافظ فيلم « النمر الأسود » على مكانته التقديرية بين باقي الأفلام المنافسة ومُتربصاً بحِكايته التي لا تنفك حتى تصل إلى شريحة واسعة من العالم ، كان آخرها عرضه ضمن فعاليات مهرجان « كان » السينمائي والمنعقد حالياً في فرنسا . لا يخفى على كثير منا أن ما سبب شهرة هذا الفيلم يعود بفضله إلى حضور ذوي البشرة السوداء على الساحة ، داعمينه بأصواتهم المُهللة ومن خلفهم أبوقة الساسة والإعلام المساهمين بدورهم في فرض هالة تُغطيه . وبإكتساحه أرقاماً خيالية على عداد الإيرادات المحلية والعالمية ، يتخطى « النمر الأسود » اليوم حاجز المليار دولار وبضعة فئات من مئات الملايين ، لم تشهدها أفلام تنتمي إلى سلاسل سينمائية شهيرة ، على مدار عقود من الزمن ، مثل « جيمس بوند » . ذلك أنه ولأول مرة ، على شاشة « الأبطال الخارقين» ، نشاهد بطلاً أسوداً ، واضح المعالم وكامل الأبعاد ، يشارك بمنطلق تلك الفئة الشعبوية جوارحها ، بعد أن كان النصيب الأسد يأتي لصالح الفئات المتلونة على حساب الداكنة التي أشغلت في أدوارٍ ثانوية عند أفلام نظيرة . وهنا لسنا بصدد الحديث عن تاريخ الفكرة أو أصل نشوءها ، أفلام كثيرة قادها سود البشرة ، بل بورودها داخل بطون « القصص المصورة » ومن ثم خروجها على شاشة عريضة تُضاهي بحضورها أعمالاً عالمية ، إحتاجت أجزاء عدة حتى تُغذي شهرتها الماثلة أمامنا اليوم.

هذا من حيث الظاهر ، أما من حيث الداخل ، فإن شهرته سببها الرئيسي ينبع من فِكرته لا من حِكايته . ذلك أن هنالك شعرة تفصل بين حُب الشيء لذاته عن حبه من أجل فِكرته ، التي تحمل الأخيرة رسالة عالمية تُعيد الحسابات في النظر إلى نقاط في العالم مقصية وتُعاني جهلاً وتأخراً عن نقاط على نفس المدار ، تبعتد فراسخ بحرية ومحيطية وخطوط كنتورية ، تتلاقف التكنولوجيا والديموقراطية والحقوق الإنسانية فيما بينها . ولأجل فكرته تلك ، إستطاع الفيلم من أن يفرش أرضية خصبة لإنبثاق زهرة أمل جديدة في صحراء تلك القارة ، من خلال إستحضار نصر الماضي وحميمية الحاضر ووعود المُستقبل لحضارة تحمل أصولاً فكرية وثقافية نابضة من مزايا جُغرافية داخلية وبوقوعها على ثروة طبيعية ، سماها الفيلم بالـ « الفايبرينيوم » . ثم ما إن ينتهي الفيلم من هرولته التمهيدية تلك  حتى وينصرف نحو أهداف أسمى تتعلق بضرورة وحدة الصف الذاتية في كيان الدولة وأهمية إستقلاليته عن أي مُحاولة في بسط أيدي أجنبية على خريطتها .


" صراع متساوي الأكفة  "

يتقاسم الفيلم صراعه بين بطلين رئيسيين ، لن نقول خير ولا شرَ أيضاً ، فلم يترك لنا مجالاً في الحكم على أحدهما . بصدورهم العارية وأيديهم الخاوية ، دون دعامات ولا بذات مصفحة، يندفع الخصمان بأفكارهم وطموحاتهم التي من أجلها يُناضلان  . الأول ، ولي العهد " تتشالا" ، يُريد إستقلالية عن العالم وتوفير الجلبة على نفسه من مُشاركته العالم السفلي أحزانه ومآسيه ، دون فعلٍ ولا رد فعل من جهته ، وتحديداً لما يظفره بنهج السلف والتابعين من أرباب المناضلين في دولة « واكاندا » حتى والده المُتوفى حديثاً . لكن على الجهة المُقابلة نجد البطل الآخر " كيل مونغر" في نظرة مُستوية ، يرى الإنطوائية المتصلبة عن العالم ذات الإمتناع عن تقديم يد العون لأفراد من نفس الجِلدة ، ما هو إلا تخاذل وإستسلام ، بل ويجده مُشاركة في الجريمة الشنعاء والمدنسة لليدين بدماء الأبرياء . فلسفة نبيلة وثورية وتقليدية وغير مُسيَسة ، تحصد نتائجها بوقت أسرع لكن بُكلفة أضخم . على عكس الأول الذي يرفض الولوج إلى أية لعبة حربية تثير الجلبة فوق رأسه وتدفعه إلى الكشف عن أسرار دولته المدفونة وراء العالم ويبقى رهن المفاوضات السلمية وسلطة القلم والكلمة في التأثير والتغيير . ثم ما إن وصلنا إلى ذروة الصراع حتى نعي تماماً توافق الجانبين على سياسة واحدة تُسمى « تخليص ما يمكن تخليصه » من آفات العالم الذي يقطنه ذوي البشرة الداكنة ، الغارقين في وحل الجرائم وتعاطي المخدرات والتجارة بها إلى الانحطاط الاخلاقي والفساد المتجذر في طبقات مجتمعه ، الذي أصبح العاقل فيه يلعب دور المتفرج دون حولٍ ولا قوة .



" تكتيك واحد وخارطة طريق راسخة "

التعيين والتضمين في « النمر الأسود » هُما وجهان لعملة واحدة  تُدعى « رسالته » ، التي لا يصمد من دونها جدار «المليار ونصف » التي حققها خلال أسابيعه الثلاثة عشر ، على التوالي ، بمحافظته على موضع قدم ، شبه ثابت ، في شباك التذاكر . وخصوصاً بأن الفيلم رغم رسالته الأخلاقية والعالمية ، لا يمتلك قراءة سُفلية تغري الحدث أو تُعرَيه ، فيرضخ تماماً لقراءته الجوهرية والخطابية في عيون متلقيه . لكن حتى لو قمنا بنزع شكلياته المزعومة وعناوين رسائله المتدفقة ، على طول زمن عرضه ، حتى وجدناه فيلماً متميَزاً ، لا متفرداً ، بحيث تأتي عناصره القيمية تراتبياً مع أهدافه التجارية والترفيهية . والفيلم بصورة عامة يمتلك إستقلالية خاصة عن موضوع عالمه الذي يمكثه « عالم الأبطال الخارقين» ، لأنه ما إن قطعنا شريط  «تتر البداية » مع شريط ما بعد «تتر النهاية » حتى نلقاه فيلماً آخر يتحدث بألسنة ذهنية وموضوعية مستقلة يُمكن أن تظفر بنفسها خارج كعكة مارفل السينمائية التي صنعها مع أقرانه . لذلك نراه عملاً مميزاً ويستحق الإحترام ، لكن دون الوقوع بمصيدة « الأفضلية » أو « الماستربيسية » الغربية  .

يعمل المُخرج " ريان كوغلير " ، ولأول مرة ، مع معدات رقمية ضخمة يكمن جلَ عملها في تصميم المؤثرات البصرية والمُخلَق أكثرها عن طريق أجهزة الكومبيوتر . فرغم حداثة تجربته مع تلك النوعية من الأدوات إلا  أنه تجاوز التوقعات ونجح بالصعب وتضائل مجهوده في السهل ، من حيث تقديمه لإستعراضات الأكشن الحركية والمشاهد المحبوكة بإتقان ، والتي تتطلب مجهود إخراجي وصبر مونتاجي ضخم ، بالنسبة لمخرج إعتادت أعماله على الإشتغال الدرامي دون غيره .  فقد فعلها بمجهود يُحتذى به وترفع من أجله القبعة . لكنه يفشل بعض الشيء في عمل المؤثرات التي تكون في معظم الأحيان ، واضحة للعيان ، غير إحترافية بالنسبة لميزانية ضخمة كالتي تم صرفها . لكن لا إشكال يُذكر هنا ، ما إن نظرنا إلى النصف المملوء من الكاسة ووجدنا أن الفيلم يحمل إيقاعاً ممتعاً وروحاً لذيذة في إختياراته لمشاهده التي يغلب عليها الطابع البوليسي والتشويقي ، الذي يُغديه نص سينمائي متميز يقسم جهوده بين ثلة الممثلين وتراكيب شخصياتهم وإعطاء مساحات كافية للظهور والإقناع ومن ثم إجتياحهم إهتمام المشاهد بعلاقاتهم الوطيدة بين بعضهم كعائلة وبين " تشالا " ومحبوبته ، والنابعة جميعها من أساس واحد يخدم الانتماء الوطني  . ثم إن " كوغلر " وفريقه المبدع قام بتنشيط دور الصورة ليخلق نسيجاً يستحمل أبعاداً ملحمية بالاعتماد على رموز بصرية من التاريخ الأفريقي والثقافة القبلية بالإضافة إلى المظاهر المعاصرة والحداثية التي تعكس تأثيرها على الثقافة الراهنة من مظاهر شكلية كتسريحات الشعر والأزياء وإنتهاءً بالأجواء القالبية في كوادر التصوير  وموسيقى الراب التصويرية . والتي بلورت بدورها  على جمعية الهوية القومية لمجتمع السود وإستكمالها عناصر التمكين على منابر المجتمع الدولي  .


تحياتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.