الجمعة، 6 أبريل 2018

Buster Keaton Films



" باستر كيتون ... الكوميدي الهيستري ، الفنان المجهول "





لم يُذنب " باستر كيتون" عندما عاصر زمنه زمن " تشارلي تشابلن " ، رُبما لأن الأخير كان أقرب إلى "حالة" مرَت على السينما في الوقت آنذاك ، فترة إنتكاس ومخاسر ومن ثم مآسي ، إستطاع " تشابلن" من خلالها أن يجتذب جماهيره ، شرقاً وغرباً ، الشعبوية من شتى البقاع ، كان كالطبيب الذي يضع مرهماً على الجرح فيطيب ، بل وأيضاً يستنزف طاقاته بمعداتهاوذخائرها رغبةً في الإستحسان وإبتغاءً للضحكة ، كي ترتسم على وجنتي ذلك الجمهورٍ ، الذي واقعَ وإكتفى من إنكساراته . فلو إعتبرنا أن " تشارلي تشابلن " كان يٌقدم الفن متسلقاً فوق الشاشة وإلى أبعد من عُمقها ، كان " بستر كيتون" يقدم فناً من أجل الفن ، إستطاع من خلاله أن يستحدث "كوميديا سجية" لا تتوجه بالضحك وإنما تجتذبه ، دون شحذ ولا حتى إستماتة . 

من لم يعرف "باستر كيتون" فقد فاته الكثير ، هذا الرجل عبقري ، ساحر ، لا يمتلك أدنى هفوة في شخصياته التي يلعبها ، كان أقرب ما يكون إلى آلة ، تصنع المشهد بحساسية ودقة . إن أكثر ما سبب لـ"كيتون" تفرداً يعلو كعب أقرانه هو حياكته للشخصية ، التي لم ولن يأتي أحد بمثلها أو يقرب منها . بهذا الوجه الثابت ذي التقاطيع الحادة والنظرة المتصلبة ، حتى أجمع الغالبية على تسميته صاحب "الوجه المتحجر " ، وكان أفضل الوصف إجادة . كوميديا " كيتون" كانت مادية بحته ، تتمثل في ليونة جسده ، عبقرية تتجلى بالجمع بين خِفة الحركة وطواعية الأطراف مع صلادة الوجه وتقشف الايحاء . ذلك الإنسجام الواقع بين فِعلين في نفس الجسد هو ما أحدث لغزَ "كيتون" المُحيَر ، كان جسده يُدفع بعكس قوانين " الفيزياء " ، أما وجهه فمعها ! . نقيضان متنافران حد التعجب ، تحسب أنه كائنٌ من كوكبٍ آخر .



سينما " باستر كيتون" ; سينما المُخاطرات ، مشاهده التي أداها بنفسه كانت ما تؤكد على مصداقيته مع المتفرج ، في كثيرٍ من اللقطات كنت أصاب بالذهول التام من حجم الفظاعة الواقعة أمامي ! . أيَ مؤثرات وأي مُجازفات نتحدث عنها اليوم ؟! ، هذا الرجل لا يلتفت الى الموت ولا يلقي بالاً ، هو المُغامر الأول ، أو المخاطر الأول ، إن صح التعبير ، في السينما ، عندما كانت بدائية لا تعرف شغل "البدلاء" ولا " فرق المخاطرات" ولا "معدات النجاة" المتطورة ، كان " كيتون" يدفع بجسده إلى الموت في سبيل صناعة مشاهد كاملة وحساسة ، مما دفعه في كثير من الأوقات إلى كسور في جسده وتعرضه للموت في كثير من الأحيان . أسقف واقعة وصخور منهالة على رأسه ، تسلق حبال ، وعربشة على النوافذ وعلى ظهور القطارات ، الجلوس على مقدمة دراجة هوائية ، بدون سائق، تعبر خط مروري سريع ، والتزحلق على ظهور العامة ، القفز على سيارة مسرعة تسحبه معها ، والكثير من المشاهد الصعبة والمذهلة بالتأكيد .



القراءة في سيرته الذاتية أشبه بإذابة تلك الطبقة " الاسمنتية" من على وجهه ، لتكشف حجم الغموض المستتر ورائها ، حياة كانت مليئة بالارهاصات ، بداية من طفولته وعمله في "السيرك" مع والده مروراً بعمله في السينما وإنتهاءً بموته . حياة " بستر كيتون " كان بمثابة اللغز الذي حيَر الجميع ، بعد الإكتشاف المتأخر لموهبته ، على عكس كثيرٍ من الفنانين ممن يهوون الظهور والتفاعل ، كان " كيتون" يهوى العزلة ، كان كالذي لايريد التعاطي مع محيطه ، يخفي خلف وجهه الكثير من الألغاز ولا يريد البوح بها لأحد .

الفترة الزمنية (1920 - 1929) ، هي فترة إزدهاره على الشاشة وقمة عطاءه ، حيث كانت مرحلة متصاعدة في منحناه الفني ، عندما كان هو : المخرج والكاتب والممثل والمنتج وصاحب الكلمة الأخيرة في العمل ، قبل أن يدمر نفسه في الإسراف بتعاطي الكحول ، بالتزامن مع توقيعه لعقدٍ مع شركة "مترو" للإنتاج السينمائي ، والتي كانت بمثابة مرحلة تعثَر في حياته المهنية . هنا بدأ منحناه بالهبوط ، عندما حجَمت تلك الشركة من دوره كفنان ، وقوضت من صلاحياته ، فأضحت تلك الموهبة الفذة يقتصر حضورها على الأعمال الضعيفة والرديئة وأصبح ظهوره فيما بعد نادراً يقبع في الأعمال الرخيصة حتى وفاته - عام 1966 ، فإنتهت تلك المسيرة ، ولازال الجميع يريد المزيد من ذلك الرجل   .


في الثلث الأخير من القرن الماضي تمت إعادة إكتشاف أعمال " بستر كيتون" وإعتبارها ثروة سينمائية وموهبة تلقفها الزمن من على هاوية النسيان ، إجتمع كثير من النقاد والسينمائيين ( "أورسن ويلز" ، " جاكي تشان" ، " روجر إيبرت"، ...) على أهمية أعماله كمخرج وممثل إستعراضي ساهم في صناعة "سينما" بذات الأهمية التي صنعها "تشارلي تشابلن" لنفسه ، لينتهي " كيتون" معروفاً وفنه محفوظ  في المكتبة السينمائية العريقة وفي قلوب العالم ، منهم كاتب السطور دون أدنى شك .


- 5 أفلام ، حسب التفضيل الشخصي من أصل 18   :

1)- Sherlock, Jr. 1924

2)- The General 1926

3)- One Week 1920

4)- Neighbors 1920

5)- The High Sign 1921


تحياتي

ليث التميمي

هناك تعليقان (2):

  1. يعطيك العافية ومبروك افتتاح المدونة ان شاءالله اسمك رح يكبر اكتر واكترً
    واحلى شي انك افتتحتها ب بستر رح تكون فاتحة خير عليك ان شاءالله ^.*
    اه على بستر وعلى حلاوته صرت ما أحب يمر يومي بدون ما اشوف وجهو
    1-The General
    2- The High sin
    3-One week
    4-Sherlock Jr
    5-Cops

    ردحذف
    الردود
    1. الله يعافيكي أفنان شكراً ع الدعم المُستمر ، تحياتي لك عزيزتي

      حذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.